قراءة نقدية في رواية الملعون المقدّس

قراءة نقدية في رواية الملعون المقدّس قدمها الشاعر والناقد والكاتب نزار حنا الديراني

منذ الوهلة الأولى التي توج كاتب الرواية عتبة العنونة لروايته ( الملعون المقدس ) الصادرة من دار النهضة العربية  بيروت عام 2021 وقد يكون العنوان غريبا بعض الشي ء إلا أن الرواية تزخر بالثنائيات الضدية ، والتي لها دور كبير في التعبير والإقناع ، وإضفاء نوعا من الجمال على النص الروائي حيث تمثل كل من المفردة (الملعون ) و(المقدس) طرفي التناقض التي تتكئ عليها الرواية التي أبدع مؤلفها الأديب محمد إقبال حرب في الرسالة التي يريد أن يقدمها المبدع للمتلقي كي يتواصل مع النص ليفك شفرته ، ويتسلسل الصراع بين المتناقضين في متن الرواية بدءً من الصراع بين كرات الضوء والظلام ص13 مجسداً الصراع الدائر بين العالقات وبناء الدالة في السرد كنتيجة لتفاعل الثنائيات في النص ، لذا تتكشف الثنائيات الضدية عن فاعلية مهمة في بناء الدالات داخل النص، ولكن من بوابة عناصر السرد الروائي، وأهمها: الأحداث السردية، والزمن، والمكان،     وحوار الأشخصات، والحبكة الروائية. ويصل الصراع في أوج عظمته حين يتجسد الصراع بين الضدين المتعاكسين (الوجود واللاوجود، الماضي والمستقبل، الصراع أو الانهزام)

كما في قوله ص17:

لم يتغير شيء سوى زيادة التصدع في جدران وجوده ، ارتدادات الزلزال ، تحطيم أسوار الماضي وتقف سداً أمام المستقبل … فزلزلت بشريته الساكنة في جسد متهالك . لكن عرقول المصر على البقاء من أعماق عرقول المنهزم ينتفض فجأة في ظلمة الليل . يخرج من رحم الفناء غير مكترث بكينونته، غير آبه بكل القيم التي سردتها أساطير الأديان … )

من هنا يتضح لنا لم يكن توظيف الثنائية في رواية الملعون المقدس مجرد جمع بين قطبي الثنائية وإنما في فاعلية التأويل للصراع القائم بين القطبين وتشظياته في تشكيل الفجوة ، أي أن الملعون يظهر ويبرز باعتباره أحد أقطاب الثنائية ويبسط سيطرته على شعور القارئ ، بينما يبقى القطب الآخر المقدس مستتراً في اللاشعور  حيث نجح الكاتب في إبقاء خط الملعون في الرواية موازياً مع خط المقدس ، فأزال الحدود الفاصلة بينهما كونهما يمتلكان نفس نسب التحقق والتجسيد في الحوار منذ دغدغة الصوت المجهول في العمق الماضي لشخصية الرواية (عرقول) الذي كان مغيباً في اللاشعور .مما أحدث شرخاً بين الدال والمدلول من أجل إثارة الجدل داخل المتلقي لاعادة النظر في بعض المسلمات لذا لعبت الذاتية على مستوى الأحداث السردية في بناء الثنائيات الضدية، فلو تتبعنا الثنائية في أحداث الرواية بحثا عن فاعلية الحر كة للشخصيات والحوارات الدائرة لكون الحوار وسيلة رئيسة من وسائل السرد الروائي في رسم الشخصيات، وحيث يهدف الراوي من خلال هذه الحوارات إلى الكشف عن مدى التأثير والتأثر بين الأحداث والشخصيات تلك الموضوعات على شكل سردٍ روائي ينطوي على خصائص فنية عديدة، فقد عرض الروائي محمد أحداث الرواية بشكل تفصيلي؛ كي يتيح للقارئ معاينة الواقع المعيشي في المجتمع اللبناني متكئاً على دور الحوار في عرض انفعالات الشخصية ومواقفها وأفكارها ووجهة نظرها إزاء الأحداث المحيطة بها. فمثلاً حين يصف عرقول في ص6 ،7 يقول :

( … وقبعة روسية من مواريث الاتحاد السوفيتي التي كان يحضرها طلاب الجامعات العائدون في إجازة الصيف لبيعها وجني بعض الأراح التي تساعدهم على اتمام دراستهم . دائما ما كان يتذكر بأنه اشترها من صديقه الغبي بعشر ليرات لبنانية دون أن يتذكر بأن ذاك الغبي قد أصبح عالم رياضيات … ، … كان عليه أن يدفع بعض الرشاوي وأن يستعين بمكتب أحد المتنفذين للحصول على الوظيفة …، …. إنها بيئة فقيرة مهملة تعوم على بحيرة تصب فيها روافد الفساد المنتجة محليا وعالميا ) يقصد برج حمود

وهكذا في ص9 ( … تبا لوالدتي التي هربت مع عشيقها وأنا في الثالثة من عمري فنشأت في ظل هذا …)

يشكل الحوار في روايته هذه مكوناً أساسياً من مكونات بنية الخطاب السردي في الرواية، وهو أحد أساليب التعبير فيها، وأحد عناصر بنائها، يوظفه الأديب؛ ليعبر عن رؤاه وتجربته الشعورية والجمالية.

لا شك أن للشخصيات الدور الهام في تكوين العمل الأدبي ، فهي التي تحرك كل ما جد في العمل ، وتنقل الأحداث من مرحلة إلى أخرى فشخصية عرقول هي التي تولد الأحداث .فهو الشخصية التي تمثل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني الذي عانى من القسوة والشدة فهو شخصية لها حضور مميز في الرواية حيث تظل شخصية عاقول ، شخصية رئيسية محورية لها دور هام في هذه الرواية ، في تحريك الأحداث، وإضفاء جو يلائم حبكة القصة وحيث درجة الانفعال لديه تصعد وتنزل

( … لماذا لم تنقذني يا الله ؟ هل جدول عزرائيل عامر بزبائن جهنم فلا مكان لي ؟ ألست أنت من يحاسب ؟؟ .. اذن لماذا تدع هذا المجهول يحاسبني؟) ويبدأ الحوار يلازم الغضب وهو يتساءل الله ويعاتبه لماذا خلقه ؟ وطالما خلقه فلماذا لا ينقذه

إلا أن هذه الانفعالية تخفت في ص26 فيعود عرقول الى رشده ويبدأ بمخاطبة الله بهدوء قائلً ( … يا الله أرحمني وأنقذني من هذه المحنة … أنقذني وسأكون عبداً طائعاً يصلي ويصوم …) وهذه الحالمة يمكن تصنيفها ايضاً ضمن الثنائية أي الازدواجية في الشخصية لدى الانسان فدائماً يتذكر الله في الأوقات العصيبة وغيرها فلا

لو تتبعنا الخط الذي يسير عليه الروائي محمد نجده قد رسم لروايته خطاً مستقيما من الهذيان معلق في الفضاء وحيث تسير عليه شخوصه المصابة بنوع من المرض يمكن تسميته بإقرار ماهية لوجود طبقا لحقيقة وجوده إرضاء لغروره ـ لذا تراه يعيش الصراع الداخلي أولاً وقبل كل شئ فبدلاً من أن يراجع الانسان مواقفه في كل جولة تراه يشتكي وكما صرح به في ص69 وعلى لسان الحمار (الحمار : تلك آفة البشر في تسمية الأشياء بغير حقيقتها ) وفي ص72 ( الحمار : … أليس من الأجدى بأبناء البشر أن يراجعوا مواقفهم بعد كل حدث بصير وحكمة استعداداً لجولة أخرى ؟)

   وهي تتأرجح يمينا ويسارا ، أملاً ويأساً حيث  يحاول أن يقول لنا لا يستطيع الانسان القفز على ظله فكلما انهزم من واقعه سيجد في طريقه واقعاً أكثر ألما من الاول ، فالواقع هو من صنع الانسان ، نجاحه وانكساراته هي قبل كل شئ تنموا في الداخل قبل الخارج ، لذا وصل اليأس والصراع مع القدر الى قول دوران (ابنة عرقول لغير شرعي ) :

( … لم يتبقى من أنيس سوى حمار من صنع هذياني ، يا إلهي كيف يمكن لهذياني أن ينقلب الى سحر مجنون فأسمع الحمار يناديني تارة وينهقني أخرى …)

واتسمت  لغة  الرواية  بالمرونة  والسهولة والوصفية  فتحولت  اللغة لعدسة لاقطة تسجل  للمتلقي  الأحداث  ،كما أكثر  الراوي  من المترادفات  والأضداد  والانزياح

ص79 وصف امرأة

ص79 الثنائية كقول دوران : ( … من ظلمة الى نهار ، من عابة الى صحراء ، من مجانين البشر الى حمار يتكلم فلسفة )

شاعر ناقد و روائي

اترك تعليقًا