مداد عشق

غيمة زرقاء، تهفّ كل صباح على باب داري كفراشات الياسمين في قريتي، تتراقص حول نافذتي مع صياح ديك جارتنا العجوز. أرفع دثاري قليلًا مسترقًا بعض النظرات لأتأكد من انها هي، إذ أن ماعز جارتنا تتسلق شجرة الجوز قُبالة شباكي لتبوح بأسرار العجوز شاكية قسوتها. ما أن أرى طيف الغيمة مبتسمًا حتى أهبّ إليها قبل رحيلها، فالغيوم ترتبط دائمًا بمواقيت محدّدة لتوزع حصص الأمل والجمال حول زبائن اشتركوا بهذه الخدمة منذ أن بدأت شتول الاحباط واليأس تنبت في النفوس. قيمة الاشتراك بسمة صباحية صادقة تتيح للمشترك تبادل رسائل انسانيته مع قلب ما في فضاء ما. ما أن أراها حتى أجدني أُسرع في جمع خربشات أحلامي في باقة من القُبل تحملها غيمتي الزرقاء كرسول لا يغيب. تنثر الغيمة رسائلي قطرات ندى في فضاء حبيبتي لترتشفها مع ألوان الصباح ثمار عشق أزلي.

مرّت أيام كثيرة، مرّت غيوم أكثر وصاح الديك مراراً وغيمتي الزرقاء لا تكلّ ولا تملّ. كلّهم يرتّلون لقداسة حبّنا وحميم أشواقي الذي يُقرض الشمس دفئها. فجأة تبدّل الزمان وأُلغيت خدمات الحب والأمل من عالم الغيوم وحُجر على اليمام ورسائله. كما تمّ مصادرة الحرية من وسائل التواصل الأخرى. تواطئ الصيف مع ثقب الأوزون فقررا أن اللهب سيد الكوكب. سرقا غيوم الفصول وباعاها إلى كوكب خارج المجموعة الشمسية. كذلك حجّرت الجائحة الفيروسية على منافذ البلدان، بل المدن والقرى. سكنت حركة السماء وتوقفت حركة الطير الذي هاجر الى حيث طُرد الخريف. وذات يوم تراصفت بضع غيمات يافعات فاتهن قطار الريح على رصيف السماء بانتظار نسمة تجيز لهن المرور ليلتئم شملهن مع أُسرهن في وادي الغيوم. أسرعت إلى محطّة الانتظار، توسّلتهن حمل خربشاتي التي كتبتها عبر صباحات القحط الطويلة بمداد الشوق ودموع الأمل إلى حبيبة منعني عنها فساد الزمن وسوء حال العباد.

مرّت الأيام وضمرت الغيمات الشريدات تحت لهيب الشمس ففقدن الأمل بلمّ الشمل وتلاشين خائبات مندثرات. تركن رسائلي وحيدات باكيات عند شجرة النسيان العجوز. جمعت ما لم يُسرق منها وكدّستها في خابية وجودي مدادًا مقدّسًا.

وذات يوم من عمر توقّف عدّاده استلّيت ريشة من هيمان أفكاري ورسمت حبيبتي حروفًا تجسّدت في فضائي كيانًا مقدّسًا. أخذني كبرياء البشر فنفخت فيها من روحي الفانية خالقًا. سمعت نبض فؤادها، لفحتني أنفاسها بنسيم عطرها ثم ضاءت، توهّجت، تشظّت بُعيد فنائي بريق إغراء كحّل عيون النساء جميعًا.

                                                                 محمد إقبال حرب

اترك تعليقًا