حوار مع الإعلامية جيهان خليفة

هو القائل أتسلل إلى مخزن النسيان، ابحث عن مشاعر منسية، بسمة مستهلكة، تعتريني نشوة متسول، كلما وجدت ضالتي، أنزوي في ركن أخفيه حتى عن ذاتي، أدعك مقتنياتي، بفرشاة أحزاني، لأزيل شوائب القدر، ببسمة قديمة اصنع منها قناع نضارة يخفي تجاعيد العمر المفقود وترهل الخدود، أتزين ببسمة قديمة، على شفاه يابسة حتى لا يأنف البشر، ندبات حزني المستمر، فما أنا إلا مسافر قديم يتأرجح بين تجاعيد الخدود والنظر المفقود .إنه الكاتب والروائي الكبير محمد إقبال حرب الواقف على قمم جبال لبنان الجميلة مرتدي عباءة عارف يأتى لنا بخمر الكلام المصفى من أروع عوالم المعنى لينسج به حروف وجوديته الضاربة في أعماق فكره فكان لنا هذا الجمال في رواياته وأشعاره، نشأ محمد إقبال حرب فى قرية شمسطار البقاعية في لبنان، درس التمريض في الجامعة الأمريكية في بيروت ودرس البصريات في الولايات المتحدة، عمل كمشرف على العيادات الفرعية، ثم انتقل للعمل كأخصائي بصريات فى مدينة الظهران في السعودية . له العديد من المؤلفات منها رواية هنا ترقد الغاوية، والعميان الجدد، وموت شاعرة، وعاشق النسيان، وولادة شاعر، ويعيش النظام، يرى أن الهويات تقتات على كراهية ورفض الأطراف الآخرى، بل ترث وتورث العداء لكل مختلف بقداسة تفتك بالإنسانية، والبشر في كل بقاع الأرض يورثون أبنائهم الكراهية والعنصرية منذ نعومة أظافرهم بدرجات مختلفة، ويرى أن الإنسانية هى الحل الوحيد لخلاص البشرية  وإلى نص الحوار

1- في كتابه ” دروس من الحياة ” يقول الفيلسوف الفرنسي “إدغار موران ” أنا كائن إنساني في إلغاء لكل الهويات المحصنة بجدران الانتماء العرقي أو الديني أو الأيديولوجي الحديدية، برأيك، وأنت إنساني التوجه هل ترى الدعوة لسيادة الإنسانية هو الخلاص النهائي لنا جميعا ؟ وكيف نمنهج هذا الفكر كي يصبح في نسيج عقولنا جميعا؟

الهويات المحصنة ما هي نوع إلّا أقنعة عنصرية مغلفة بأوشحة الفضيلة، من دينية وعرقية وأيديولوجية. هذه الهويات تحمل في طياتها كراهية مقزّزة تفرز العداء والكراهية ولا تؤدي في النهاية إلا إلى حروب تُسفك فيها الدماء وتهتك كرامات الغير. هذه الهويات تقتات على كراهية ورفض الأطراف الأخرى، بل ترث وتورّث العداء لكل مُختلف بقداسة تفتك بالإنسانية. البشر وفي كل بقاع الأرض يورّثون أبنائهم الكراهية والعنصرية منذ نعومة أظفارهم بدرجات مختلفة. 
أؤمن بلا أدنى شك أن سيادة الإنسانية هي الحل الوحيد لخلاص البشرية من الحروب التي لا تشبع من سفك دماء الآخرين. الكراهية لا تفرز إلا العداء لكل ما هو إنساني، وسفك الدماء عار لا يغسله إلا الثأر إن كان على الصعيد الفردي أو الجماعي. هذه الأوبئة ليست حكرًا على شعب ما أو مجموعة معينة، بل تنتشر عبر الكوكب قاطبة. تزهو وتخبو في أعراقها ودياناتها ونُظُمها السياسية فتبثُّ الطيب والخبيث عبر قرابين دمٍ تُسفح بقدسية شيطانية. في عصرنا تتوارى هذه الأعمال عبر خرافة “الديمقراطية” كما توارت وتتوارى الأديان خلف أساطير تمجّد إلها دون غيره في قرابين دم ضحاياها من الأديان الأخرى وفي هذه الحقبة من تاريخ الإنسانية يتم تسويق وتنفيذ مخطط العولمة الذي يكرّس عبودية الكوكب لحفنة من الدول الاستعمارية.

الحلول النظرية التي تدور في خيال الكتاب والشعراء كثيرة، لكن، في الواقع لا يوجد حل ناجع لمنهجة الفكر البشري من جديد. غير أن السمو البشري إلى فضاء الإنسانية في طفرة غير مسبوقة هو الحل. وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها. على كل المؤمنين بالإنسانية العمل على إعادة برمجة إيمان البشر بإنسانيتهم وقدرتها على الانتصار في وجه كل العقبات والأخطار التي تعصف بكل فرد منذ ولادته التي يتشرب فيها الكراهية مع أول نفس.

2- ما العوامل التي تقف عائق أمام خلق بشرية متناغمة متوازنة خالية من الكراهية والعنصرية ؟ في ضوء ما يحدث الآن على الساحة العربية؟

ما يحدث الآن في غزّة أوضح مثال على عمق الكراهية والعنصرية في الكيان البشري. فأصحاب القرار والقوة في هذا العالم بما فيهم كثير من العرب يدينون الضحية، يغضُّون الطرف عن أكبر مجزرة تصفية عرقية في التاريخ. يزيفون الحقائق، يدينون الضحية في سجنها الكبير وهي تعاني من قطع سبل الحياة.
هناك عشرات العوامل التي تقف عائقًا أمام خلق بشرية متناغمة متوازنة. وهذا ليس بجديد، انها نفس المجازر ونفس الممارسات منذ آلاف السنين، كل ما تغير هو نوعية الأسلحة وأناقة الأقنعة. 
لن يتغير شيء يا سيدتي، الحقيقة وبدون مواربة شريعة الغاب هي التي تحكم رغم التلطّي خلف دساتير عنصرية كولونولية همُّها سرقة الثروات وقتل أصحابها بأبشع الطرق تارة باسم الحضارة الأسمى وتاورًة باسم الدفاع عن الدين. 
 3- في روايتك ” هنا ترقد الغاوية ” صرخة احتجاج قوية على مجتمعاتنا الشرقية تريد أن تقول فيها أنك ضجر من شرفهم المستعار جميعا أليس كذلك؟
ويحٌ لأمة تستعبد إناثها وترجو شعبا حرًا. ويحٌ لأمة تلطم عند ولادة كل أنثى راثية شرفها الدفين. ويل لأمة لا شرف لها إلا غشاء البكارة، شرف داسه الأعداء لقرون طوال ولم يرفّ لها جفن. يا سيدتي المرأة التي تنشأ عبدة في مجتمع ذكوري لا تنشئ إلا عبيدًا.
صرخت وأصرخ… وسأصرخ بوجه أمة أضاعت شرفها… وها هي اليوم يدوس العدو على شرفها في غزّة وهم يتفرجون بانتظار آخر جثة لطفل فلسطيني.

3 – في روايتك “الملعون والمقدس” من كنت تقصد بالملعون ومن هو المقدس؟
صدّقي، أو لا تصدّقي أن الملعون هو نفسه المقدّس. مقترف الذنوب بكبائرها وصغائرها بشر. كما أن المقدس الذي يتناغم مع سيمفونية الوجود يسمو بطهارة هو بشر كذلك. بورك من تجلّى من عالم الرذيلة مقدسًا.

4- كم من الوقت تستغرق كتابة الرواية؟وهل يوجد أسس أو طقوس تتبعها عند كتابتك رواية جديدة؟
تولد الرواية في الوجدان كبرعم في شجرة الفكر، كلما تغذّت بالتأمل والتفكير بحثًا وتنقيبًا، كما استولت على كياني حتى أراني أتقمص الشخوص والأماكن، بمشاعرهم ودفق حياتهم فتفيض دواتي بسيلها فأغمس ريشتي وابدأ بالتدوين. 
لا أدري مساحة الوقت بين ولادة الفكرة والتدوين، رغم معرفتي نقطة البداية ووجهة النهاية. لكن تفاصيل الرحلة دائمًا ما تفاجئني بتفاصيلها، وبروز شياطين عبقر بين الفينة والأخرى بشخوص وأماكن تفرض نفسها كما تفرض غابات الطبيعة ثورة براكينها.

5-في كتابتك للرواية أيهما تركز الموضوع أم الجانب الفني؟
موضوع الرواية هو عالمي بمشاعره، وتفاصيله، وحيثياته. الشروع في الكتابة بداية حَمل في رحم فكر الكاتب، يرعاه بواقع وخيال، بالبحث والتمحيص حتى المخاض والولادة. 
دائمًا ما أنهي روايتي بـ”ولِدت في كذا وكذا” كونها خرجت من رحمي الوجداني. أما الجانب الفني فهو جزء لا ينفصل عن البوح، لكنني لا أفكر مطلقًا باتباع نسق فني معين أو تبني مدرسة أدبية معينة. فالجانب الفني في كتابة الرواية يُبنى عبر الزمن مع اكتساب المعرفة من كل مصادرها عبر التفاعل الحضاري والفكري مع ذوات الروح والجماد  الذي يوسع المدارك ويفتح الآفاق. أعتقد أن من يضع خطة لكتابة رواية بناء على أسلوب فني معين سيكتب عملًا بلا بروح، شأنه شأن ناظمي الشعر لا مبدعيه.

6-أي الأجناس الأدبية أحب إليك؟
لا يوجد جنس أدبي محدد، فالعمل المميز الذي يستضيفني في عالمه يتملّكني.

7- وكيف يصبح الوجود صفحة بوح للعارفين ومن أي عالم من عوالم المعنى تستقي الحرف لتنسج به كل هذا الجمال في رواياتك؟
كان الوجود عبر الزمن قيثارة متناغمة، كل من كائناته وتر مميز يتلو ألحانه فتتراقص له بقية الأوتار. من أدرك وتره وبرع في عزفه تستقبله كل الكائنات، أحيائها وجمادها (بالعرف البشري) فيستقى من زهر الكون ما يشاء من البراعم. لذلك أراني أروم بين العوالم أقطف من ألحانها حروف تمكنني من البقاء على قيد الحياة… تلك الحروف هي هوائي الذي أتنفس.

8-بين دفتي العرافة أسرار لا تنتهي.. كيف أخذت منك العرافة ذات المنقارين زبدة آلامك وسجلك الوراثي؟
فعلًا، العرّافة تعشعش في قلوبنا، بين أفكارنا، أصبحت من نسيج سجلنا الوراثي، تتحكّم بمستقبلنا قبل حاضرنا. إنها سيدة الآلام، رسولة حائك المصائب. تتغلغل، تسرق ماضينا، تبرمج مستقبلنا وتُلبسنا عباءة استعباد مزركشة.
تمرّدت عليها ذات فكرة، انتفَضت من براثن أسرارها وطيّات مصائبها لأعلن حقيقتها بين دفتي السجل رواية بحروف ألم عتيّ.

9- خذني بعيدا يا شراع الموت لأرى وطنا في أرض بعيدة جئتك هاربا مستجيرا.. كيف يأخذك شراع الموت لأرض جديدة شاعرنا؟ وممن تهرب؟
كتبت مستغيثًا بلسان الهاربين المتمردين على القهر والظلم. من سُلبوا أحلامهم وأعمارهم وأحبائهم الذين قضوا جوعًا أو نزفوا حياتهم بين قضبان السجون لأن أنينهم أزعج منام الحاكم. باعوا وتنازلوا عن كل ما يملكون ليشتروا تذاكر مقامرة على ظهر شراع الموت باحثين عن أرض تعترف بحقهم في الحياة. إنهم الأبطال الذين رفضوا العبودية فقامروا بكل شيء من أجل أمل بين أمواج بحر يمخره شراع الموت.


10- هل الثقافة أنواع اتجاهات وهل هي محددة بهوية خاصة بها وكينونة تخطها لا تتجاوزها  ؟ 
الثقافة هي مزيج حضاري يطال كل مناحي الحياة في بيئة معينة، لها بصمتها الخاصة، تتفاعل الثقافات فيما بينها لتضيف كل منها ما يتلاءم وطبيعتها متجاوزة فيزيائيات المادّة. برأيي أن الثقافة هي التي تميّز الهويّات وليس العكس، فالهوية تتغير مع انتقال الإنسان من بيئة إلى أخرى لكن العمق الثقافي لا يتغير بل يسافر مع صاحبه الذي يتخذ البعد الآخر ملاذًا. وخير مثال على ذلك، المهاجرون إلى بلاد أخرى يحملون ثقافتهم إلى بلاد المهجر ناشرين، مضيفين إلى الثقافة المحلية الشيء الكثير، رغم أنهم مع الوقت يكتسبون هوية المكان الجديد.

12- برأيك كاتبنا ما هو موقع الحرية الثقافية في ظل تآكل النخبة المثقفة بل وفي ظل تضاؤل الوجود الفاعل للمثقف العربي ؟ 
يا ويلتاه من زمن التردي، يا ويل الثقافة والمثقفين. عن أي حرية نتحدث سيدتي وقد أصبحت الحرية وباء يخافها الحاكم. نحن في زمن يُحجر فيه على من أصابه داء الثقافة، يسجنهم، يقتلهم إذا لم يبيعوا ضمائرهم. في زمن أصبحت المعرفة شهادات تباع وتمنح إلا من رحم ربي في ظل انهيار المنظومة التعليمية وارتفاع راية الجهل ورواد المقاهي. 
فعليًا، المثقف العضوي يتلاشى، يهاجر، ينكمش رغم صراعه الدائم في سبيل إنسان أفضل في ظل سيطرة التافهين على مقادير الوطن والإعلام الذي لا يكترث إلا لمن يخضع لسياستها الموجهة من الخارج.

13- ما هي أهم تحديات الثقافة العربية المعاصرة ؟ 
برأيي التحدّي الأكبر والأخطر هو التكنولوجيا الحديثة التي ربطت العالم بشكل مذهل. تكنولوجيا تحمل أسس “العولمة” وجدت لحاجات المجتمع الغربي ولخدمة سياسات منظرّي ومتبنّي العولمة.
أنا لا أنكر بتاتًا كم المعرفة التي أصبحت بيد كل البشر، ولا أعترض على هذه المعجزة التي اختصرت الزمان والمكان لمن يسعى إلى المعرفة. لكنها في الوقت نفسه وبال على الجهلاء الذين ينتقون من عالم التواصل أسوأ ما فيه.
العمل على تطبيق سياسة العولمة سائرة على قدم وساق، تبث لغة جديدة، أفكارًا لا تتواءم مع حضارتنا وإصرار على تشويه وتدمير كل ما يقف في طريقها.
المشكلة أن شعوبنا التي “تنعم” بجهلها لا تملك حصانة فكرية، أو علمية لمواجهة مشروع الاستعمار “العولمي” إضافة إلى تزامن ذلك مع تحطيم النظم التعليمية ونثر الأوبئة الفكرية التي أودت بجيلنا إلى وادي التفاهة.
من هنا نجد أن الثقافة العربية مهدّدة بشكل مباشر عبر كل البرامج الموجّهة لتحطيم وتشويه ثقافتنا. جيلنا، الجيل القديم محصن إلى حد ما، يحاول مواجهة تسونامي التدمير قدر المستطاع، لكن غياب الدول، أو سقوطها في مدار “العولمة” يجعل الحفاظ على ثقافتنا مهمة صعبة جدًا. 
اندماج ثقافات العالم حلم جميل، لكن طمس هويات وثقافات الدول الفقيرة، أو المتخلفة تحت راية العولمة جريمة لا تغتفر. نؤمن أن جمال العالم هو بتنوع ثقافاته والحفاظ عليها، لكن جرّافات التدمير هي الخطر الأكبر على الثقافة العربية، خاصة مع وجود الجهلاء في مقادير القرار.


14- كيف يتحول مفهوم حرية التعبير من مفهوم حضاري إلى مفهوم رجعي ؟ 
عندما يمسك الجهلاء بزمام الأمور تتبدل المعاني وتسقط المفاهيم.


15- زكي نجيب محمود وصف المثقف العربي بالازدواجية في حين يراه سيوران أنه آفة فكيف ترى كاتبنا المثقف العربي ؟ وهل يعاني حقا أزمة ؟

ليت الأمر يتوقف على الازدواجية، بل تجاوزها إلى آفات ثلاثية الأبعاد. فكل ما يتعلمه المثقف العربي عن الحرية والشفافية يسقط أمام الواقع. وكل ما تلقّنه في البيت والمجتمع والمدرسة كذب وتدليس يخاف أن يواجهه تحت طائلة العقاب. كما يشهد موت أحلامه ألف مرّة في اليوم.
نعم، المثقف العربي في أزمة وجود يحلّها بالهجرة هربًا، او الاستسلام بارتداء قناع كاذب يمكنّه من الاستمرارية. قناع يطغى على هويته حتى يكرهها.

17- لبنان أرض الطوائف والفصائل المتصارعة، هل أثر ذلك فى وجدان محمد إقبال حرب ؟ وبما أننا تطرقنا للدين هل ترى الحداثة متنافرة مع كل أشكال التدين ؟ وهل الحداثة الدينية ممكنة ؟ 
بما أنني ولدت وترعرعت في لبنان لا بد أن أتأثر. لكن والدي العامل البسيط كان مثقفًا جدًا، إذ كان يضع الإنجيل والقرآن والتوراة، كما كُتب البوذية والزرادشتية وغيرها جنبًا إلى جنب مع كتب التاريخ والفلسفة. كانت هذه الكتب متاحة لي في أي وقت منذ سن العاشرة تقريبًا مما أعطاني فرصة المعرفة والتنوّر باكرًا فنبذت أسباب التفرقة الدينية والعشائرية والعنصرية عن قناعة وإدراك. هذا ما ينجلي في كتاباتي التي تعتبر الدين لله والوطن للجميع وأن الإنسانية هي ديدن المثقفين الساعين إلى إنسانية نقيّة.
أما سؤالك عمّا إذا كانت الحداثة متنافرة مع كل أشكال التدين، وهل الحداثة الدينية ممكنة؟ الدين في الأصل هو نهج روحي يقرّب الإنسان إلى إلهه الذي يعبد مما يجعلها علاقة خاصة جدًا. هذه العلاقة لا تتعارض مع الحداثة بتاتًا. لكن المؤسسات الدينية التي تستفيد من التزمت والتشدّد الديني هي العائق الأكبر أمام الحداثة. 
لا يمكننا أن نتحدّث عن الحداثة الدينية إذا لم تتنح المؤسسات الدينية عن نظام استعباد البشر باسم الله والكف عن حجر أفكار “المؤمنين” وإلغاء سياسة الوسيط بين الفرد وربّه.

17- يقول الكاتب العراقي جمال علي الحلاق في كتابه “فن الإصغاء لذات ” إن تطبيق الديمقراطية في البلدان القاصرة في تجاربها الإجتماعية يعني صعود سلطة الرعاع مشيرا إلى أن الربيع العربي أثبت أن الشارع لم يكن مهيأ بعد لاستيعاب مفهوم التعددية السلمية شارع خائف مرتاب لا يثق بالجديد ؟ ما مدى قبولك أو رفضك لوجهة النظر هذه ؟ وما هو تقييمك للجمهور العربي بعد مضي كل هذه السنوات ؟

من التجارب الإنسانية المدونة عبر التاريخ نرى أن المثقفين هم من قادوا الثورات وتبّنوها حتى اللحظة الأخيرة. غالبًا ما كان المفكرون قد سبقوا الثورات بسنوات في نشر الوعي عبر كتاباتهم ومواقفهم. لكن الذي حصل في الثورات العربية هو أنها  كانت ردّة فعل إنسانية ضد الظلم بحماس جماهيري. لقد رأينا أن الجماهير التي أسقطت أنظمة عدّة لم تعرف ما هي الخطوة التالية.

مقولة الأستاذ جمال علي الحلاق فيها الكثير من الصحة، لكنني أضيف أن السبب الأهم هو الجهل والاستعمار الداخلي والخارجي المستمر لعقود طوال، من ولد في ظلمة سجن الوطن وترعرع تحت وطأة سياط الحاكم أو المحتل يخاف النور وإن ثار ذات مرّة، كما حصل في الثورات الأخيرة، يؤنبه ضميره الميت

اترك تعليقًا