طلاسم

في النِصف المُظلم من قمري صِراعٌ مُحتدمٌ بين كبتِ أسراري أو إرسالِها إلى مُعتقل النسيان.

كلّما فار بركانُ ثوّارِ النميمةِ على ديكتاتوريّة كبتي لهُم ساندهم لساني بإطلاق سَراح البعض ثرثرة ونميمة مما يُؤدي إلى أضرار جانبيّة في علاقاتي الاجتماعيّة. يتولّى النسيان محو معظمها من ذاكرة الآخرين. لكن جارحَها يترُك ندباتٍ على جُدران النفس يُدركُها عسسُ المُتربّصين.

أعتقِل لساني مُعظم الأحيان قبل الإسراف في مدّ يدِ العون إلى مَردة المشاعِر خوفًا من سقوط أقنعةِ المُداهنةِ والرياء التي تُزيّن علاقاتي مع الآخرين. تارة، لِستر عيوبي وطورًا لإخفاء نِقاط ضِعفي. يصفُني البعضُ بالوقِح عندما أُبدي رأيي الصادِق في ريائهم، ويعتبرُني البعض ساذجًا عندما أُصدّق كلماتٍ عابرة. لكن الطامّة الكبرى تكمُن في ما قاله لي صاحبُ العُكّار: “مشكلتُك، وضع ثقتِك في بني جنسِك”.

لم أفهم المقصود، فاستفاض شارحًا: ترى البشرَ على طرازٍ واحد، وهم على طُرز مختلفة.  هناك آلاف الطُرز تتمازجُ خيرًا وشرًا بنِسب مُتفاوتة. الطيّبُ والخبيثُ يتداخلُ مع الخير والشرّ في أوعية النِّفاق والنّزاهة. فِراستُك وحدها قادرةٌ على استشفاف حقيقةِ كلّ وجهٍ تُحقّق في تقاسيمِه.

تجهّم وجهي غرابةً أدركَها عابرُ السبيل فرثى لجهلي وهو ينظُر في عينيّ مستكشفًا ما لا أعرفُه. هزّ رأسَه وسار مُغادرًا وهو يتمتم: سريرةُ البشرِ تكتُبها أفعالُهم على بشَرة وجوهِهم، فوق خلاياهِم بصبغيّات ظِلالُها تجاعيدٌ تتراكمُ أخاديدَ يُحيلُها البشرُ كذبًا إلى تراكُم سنوات العُمر. أخاديدٌ تحكي أساطيرَها لأصحابِ البصيرة.

لم أتحرَّك ذرّة تُنبئ عن استيعاب مقولته.

هزّ رأسَه مرّة أُخرى وقال: فِراستك تكمُن في قُدرتك على فكّ تلك الطلاسِم.

                                                                                  محمد إقبال حرب

اترك تعليقًا