قراءة في رواية “هنا ترقد الغاوية” للأستاذة عبير مصري بخّاش

أستاذ محمد إقبال،

أسمحُ لنفسي بأن أعترفَ لكَ جَهوريًّا:

 كم أنت ثريّ …. بالمشاعِر!

 شكراً لكَ للحديث عن آلامِ المرأة.

 شكرا لكَ لبلورة مكنوناتِ الأنثى.

 لكن … 

لماذا تنكأُ الألمَ الراكِدَ يا سيّدي؟

روايَتُكَ استحَقّت بِكَ أن تصِلَ إلى مرحلةِ البُكاءِ معَ كلِّ قصّةٍ او شرحٍ في الكتبِ والمراجعِ التي استعَنتَ بها.

رواية “هنا ترقُدُ الغاوية”

للكاتب محمد اقبال حرب،

تَستحِقّ هذا المهرَ منه.

سَنصِلُ يَوماً لتحطيمِ أسوارِ الجّهل، سَنسلِكُ دَرباً بالأملِ ونَشفى من الطّاعون المُزمِن، سَنَمشي وراءَ بَصيصَ الحريّةِ الفكريّةِ نحوَ مستقبلٍ زاهر، سَنُخلِّصُ الكيانَ البشريّ من تدنيسٍ ألمّت به عقولٌ متحجرةٌ ومتخلّفة. سنُلغي المفاهيمَ التّي تُجيزُ إذلالَ  الفكرِ والانتقاص من الوعي والإدراك.

 سيّدي الكريم،

 سيُكتَبُ يوماً على شواهِد القُبور:

 هنا تَرقُدُ أنثى

 وكان الأجدى أن يُكتَبُ: 

هنا يَرقُدُ إنسان..

 *بين آدم أو غسّان أو هيمان عذاب، وكم كان مؤلماً لأرواحنا حديثه عن حياةٍ غَبَرَت، مع معضلة عدم ارتباطه بالحُبّ الذي أشعلَ نبضَ قلبه وأحاسيسه، وعن مقتل أخته أمل أمام عينيه لغسل العار وأيّ عار!

كما حديثه عن وجع والدته، التي لم تهزّ السّرير بيمينها، لأنّ سجّانها الرّفيق الظالم كسرها لها. بينما تَمسَحُ دموعَ الحُزن والشقاء بيُسراها.

*بين سامح أو حودة،*

وتخلّي أمّه عنه وحُرمانه من دفء حُضنِها، كما مع ظلم عمّه له.

 *بين تامر،*

وحيرته بين مستقبل أخته ومستقبله هو، ومع أمٍّ محطّمة مدمّرة مسلوبة الحقوق.

 *بين صابرين أو قصائد أو ملهمتي،*

 التي لها من اسمها نصيبٌ ونصيبٌ كبير، بتطبيقها الجليّ لعبادة الصبر، وتحمّلها مصيبتها والأذى الذي مسَّ كيانها،  وعذاب الفراق والشّوق لوطنها وحبيبها على مرّ السنين. 

*بين هنادي،*

وصراعها الداخلي مع الموروثات الفكريّة والمجتمعيّة.

 يا سادة:

أيُّهُم هو الضَحيّة؟؟

وأيُّهم هو المُجرِم؟؟ 

لقد وُلِدنا أحراراً، لقد وُلِدنا أنقياءَ القُلوب، لقد وُلِدنا بِفِعلِ الحبّ!

ولكنّنا نحنُ مَن زَرَعنا فينا آلامنا، بقوانينٍ شَرّعناها، بمفاهيمٍ مَغلوطةٍ نشرناها وصدّقناها. مفاهيمٌ تُجبِرُ الأنثى أن تبقى الطرفَ الأضعف، من خلالِ ثقافةِ إذلالٍ لشخصيّةٍ فكريّةٍ، تحسُبًّا من الآخر،أن تثورَ يوماً على استبداده وظُلمِهِ وقَمعِهِ لها.

لذا، ومنذ عصرِ الجاهليّة، عَمدوا إلى وَأدِ الكيانَ الأُنثويّ حيًّا، في حُفَرِ المذلّة والقَهر والتَّحقير، تارةً بإسمِ الدّين، وطوراً باسمِ التَّقاليد. حيثُ قدّمَ لها القاتِلَ رحمةً لم يَقصِدُها!

الموتُ أكثرَ رحمةً من الاغتصاب، الجَسديّ كان أم الفِكري.

بَعدَ الموت، يَفنى الجَسد، وَتَذهَبُ الرّوح لمَلقاةِ الرّحمن الرّحيم.

ولكنّ بَعدَ الاغتصاب، يَبقى الجَسد الهَزيل، وَتَفنى الرّوح تِباعاً على يدّ شيطانٌ رجيم.

فقد خَتَمَ على مقالَتِها “غباء أنثى”، وعلى أفعالِها “تَرَهات إمرأة” رَغمَ تَفوّقها وَذَكائِها. اعتبر مشاعِرَها شيئاً تافهاً. حطَّمَ كِبريائَها بنظرَتِه الوَضيعة لإنسانيّتها.

أُصيبَت بهزيمةٍ نَكراء، من اليدّ التّي اعتبرتها حُصناً وَمَلاذاً، حينَ تتكالَب عليها الظُّروف. 

ماذا فَعلتَ بِكَينونَتِها أيّها الآخر؟؟

أوصَلتَها إلى الصّدماتِ الكَهرُبائيّة لتنشيطِ خَلايا الدّماغ، الذي أهلكتَهُ أنتَ!

من الاكتئاب الشّديدِ الذي رميتَها به أنتَ!

كيفَ لكَ هذهِ الصّلاحيات؟

مَن مَنحها لَكَ؟

المُجتمع؟ 

رجال الدّين؟

 ألا تَعرف مَعنى العَدل والرّحمة والمساواة التي أَخبرَنا بها خالِقَنا؟ 

حتّى صَارت تَصرِخُ في المَدى:  أنا ضَحيّةٌ بَريئة،  إلى أَنْ استجمعت قِوَاها وصَدَحَ في داخِلِها صوتاً غيرَ مقتنعٍ في الهوان، ويبعثُ فيها الإيمان، لِتَقول:

 أنا قويّةٌ بِذاتي،

 بأعماقي،

 في كَياني شموخٌ وإعتِزاز، 

أستمِدُّ طاقَتي من خَالِقي.

 وَقالَت: 

 لا لاقتصاص الألَم من الذّات.

 فواجَهَتْ، وحارَبَتْ، وجابَهَتْكَ.

أيّتُها الأُنثى:

ماذا يَهمُّكِ مِنَ النّاس؟ 

المُهمّ هو إيمَانك بِنفسِكِ… بالله.

أيّتُها الأُنثى:

كُونِي غَيثاً يَتَساقَطُ أمَلاً،

كُونِي المَثَلَ الأَعلى للقُوّة والصُّمود.

غَيِّري العَادات التّي يُقدّسها البَشر.

وإسعي لِمُساواةٍ بين البَشرِ جَميعاً مُساواةً عَادلة.

فَلنُحيي الإنسَانَ فِينا!

عبير مصري بخّاش

اترك تعليقًا