محنة الإنسان والوجود في رواية (المعلون المقدّس)


محنة الإنسان والوجود في رواية (المعلون المقدّس). قراءة نقدية قدّمها الأستاذ جمعة عبد الله

النص الروائي يشكل مغامرة غير مألوفة في المتن الروائي في منظومته الشاسعة الأبعاد في الرؤية الفكرية والفلسفية المطروحة في التناول النص، والمصاغة في إيقاظ مشاعر الذهن بالتفكير والتأمل في طرح الاسئلة الملتهبة، التي   تناقش وتحاجج وتجادل وتحاكم قضايا ملحة احتلت عناوين الوجود وأعمدته القائمة في عناوينها البارزة وهي: الأسطورة الدينية ومنزلقاتها، ومدى قابليتها للواقع والعقل والمنطق، يضعها على مشرحة المحاجة والجدل.  مسائل الخير والشر والصراع الجدلي القائم بينهما، وحين يتغلب الشر على الخير ويصرعه. أو أنهما في ميزان الواقع اللامعقول بالفانتازيا، ان يتساويا في المعايير والقيم والاخلاق، يناقش مسألة الحكمة والسلطة والعدالة، التي هي من صنع البشر، وحين يكون هذا الثالوث في قبضة المقدس المدنس والملعون، ومسألة ارتباطهم مع الرعية الخاضعة لسلطتهم، لا تملك الحول ولا القوة، وليس لها سوى الخنوع والخضوع.. فحين تفسد المبادئ والأخلاق والشرف والضمير في المجتمع من أطراف أعمدة الحكم والمتنفذة في السلطة والتشريع والتي تتمثل بالحاكم ورجال السياسة ورجال الدين المغلفين بثوب الفساد، وحين طفو قذارتهم على السطح، يبدأ الصراع القاتل. 

ولكن حتى وإن فسدت الارض واهلها، فالسماء لن تفسد عدالتها يوم البعث، يوم الحساب والثوا ب، يوم الرحمة والعذاب لما اقترفت الذات وما جنت. 

وإذا كان ناموس الأرض وشريعته عمياء، أو انحرفت الى اللامعقول والفنتازيا الغرائبية، فأن يوم الحساب سيكون بالمرصاد. لأهل الأرض الذين يعانون من المحنة الوجودية في عالم تلوث فيه العقل بالشوائب والخطايا والذنوب.. 

تطرح هذه القضايا الملتهبة في المتن الروائي، في إطار يجمع بين الواقع والخيال في لغة سردية حديثة تظهر سمة الواقع والوجود م واللامعقول. فالنص الروائي يطرحه الكاتب برؤية فكرية وفلسفية تناقش وتحاجج وتحاكم منصات ذلك الواقع اللامعقول التي جرفت معها الواقع والوجود. تطرح الرواية مسألة الصراع وجدلية المفاهيم التي تحتل العقل وتقوده الى المتاهات والضبابية، في تلمس ماهية الملعون حين يتلبس القدسية. وتختلط الأمور والمعايير بين الملعون والمقدس، وان شخصية (عرقول) الحاج الكريم الذي يحرص على أداء فرائض الحج والدين. يمثل شخصية في أطار المقدس المدنس في سيرته الحياتية والذاتية، الملطخة بالكذب والنفاق والزيف والأخلاق المنحطة في سلوكها الشائن، التي أصبحت الفحشاء والزنا المحرم واللواط والاجرام من سجاياها، بالضمير والشرف والعفة في السلوك والتصرف، ايضاً أن شخصية (عرقول) هي صورة مصغرة لصورة مكبرة، لكل حاكم ورجال السياسة والدين الفاسدين. يأخذنا الحدث السردي الى يوم الحساب والبعث، ويقف (عرقل) في قفص الاتهام ليعترف بسيرته الذاتية المنحطة. 

فنعرف التفاصيل الدقيقة لهذه الشخصية بما اقترفت من أقواله عن نفسه (لا أدري كم الاطفال من بنات وصبيان الذين كنت اعتدي عليهم، هل هو من أولئك الأطفال؟) ص25 ويضيف في افادته (لابد ان الله يعاقبني على شيء فعلته؟ وهل هناك شيء لم أفعله؟ بدأت حياتي بعقوق والدي، وسرقة أموال زوجتي، نعم زوجتي، انها زوجة الناشز بلا شك، لابد أنها استأجرت هذا المعتوه لتنتقم مني، فهي تعلم بأنني خنتها مع صديقاتها وسامحتني عدة مرات حتى ضبطتني مع أختها، فآثرت السكوت على الفضيحة وهربت مع عشيقها دون أن تأخذ مني قرشاً) ص25. هذه الشريحة التي تربت على مستنقعات الضحلة بالأخلاق القذرة، لا تعرف معنى العفة والضمير والشرف. نتعرف على الحاج الكريم (عرقول) من خلال اعترافاته يوم الحساب والقصاص، بأنه هاجر من بلاده ثلاثين عاماً وعاد صفر اليدين. نعرف بأنه أصبح من اصحاب المال والغنى، لكنه وقع في مكيدة خبيثة من صديقه (سمير) دفعه الى الافلاس وهرب مع زوجته، وأصبح مديوناً بالمال لكل من يعرفه، فهو السكير المدمن الذي لا يشبع، والزوج الذي لا ينفع. فزوجته هربت مع عشيقها (سمير)، فأصبح الكذب والنفاق والتحايل والفساد خصال سمات اخلاقه، ليعوض نقصه الداخلي. هذه الشخصية هي نتاج الواقع اللامعقول، فقد أغتصب ابنته، ومارس اللواط منذ الطفولة حين فضوا مؤخرته مقابل الحلوى، فتربى على الرذيلة والفحشاء والمحارم الزنى والاجرام، تعلم كيف يصطاد الغلمان من الجنسين ليماس الفحشاء والمنكر معهم. 

اغتصب شقيقته العذراء (زينب) وهي اقل من ستة عشر عاماً (أتذكر يوم اغتصبتها على سرير والديك. أفتضيت بكارتها وأخبرتها بأنك ستفضحها لو أخبرت أحداً، ألم تقل لها أنك ستقول لجميع أصحابك عن سر جاذبيتها، وأنك تتحدى أياً منهم أن يرى ثدييها ولا يغتصبها) ص49، (عرقول) الحاج الكريم القاتل، الذي قتل من اغتصبه ليرد الثأر لشرفة المنخور. هذا المتلبس بالدين يحمل روحية الراهب والشيطان معاً، ولكن هذا الاخير يتغلب على الاول ويصرعه، لتبقى روحه ملكاً للشيطان وحده لا شريكاً له. وما شخصيته المنخورة في شرفها وأخلاقها وسلوكها. تعيش في دوامة الكذب والدجل (أيها الكاذب أنا لم أجبرك، أنت اخترت، أنت تغتصب أي أنثى بل أن تنكح أية مؤخرة حتى لو كانت لخنزيرة، لماذا لم ترفض؟ أنت الانسان القذر الذي يفعل أي شيء من أجل أنانية، لم تكن لتنظر في صون عرض الناس، لم تكن لتكبت جماح غريزتك حتى في أرذل عمرك وخلال مصيبتك هذه، لقد آلت أن تهدر شرف وكبرياء اي فتاة، بل ان تفقد عذريتها لتفوز بحياتك النتنة دون ان تذكر بأن لك عرضاً تريد من الناس صونه، ها قد فزت وهذا الباب يفتح لتخرج مع أبنتك الى ظلام الدنيا متطأطئا رأسك أمام ابنتك لم تنتهِ عن الموبقات التي مارستها مع بقرة سعيد يوم كنت تنكحها في الزريبة) ص50. 

فقد هدم حياة شقيقته (زينب) أغتصبها على فراش والديه، وجعل حياتها تعيش في الجحيم حتى انتحرت خوفاً من كشف الفضيحة والعار، اغتصبها بضمير ميت بمحارم الزنى وكما فعل مع أبنته (هل سمعت عن أب يعتدي على شرف أبنته، ثم يتوب ثم يعاود الكرة دون معيار أخلاقي؟) ص52. ولكن يبرر افعاله المنحطة دون اخلاق وشرف، بأنه شيء صغير لا يقاس بالمقارنة بفداحة الافعال الشنيعة والأخلاق المنحطة لكل حاكم فاسد، ولكل سياسي يتاجر بالعهر السياسي، ولكل رجل دين امتلكه الشيطان من (رجال السياسة والأعمال في ابراجهم، عن رجال الدين في صوامعهم، عن رذائل الأزواج والزوجات والعهر المتفشي، صدقني مع كل مساوئي أنا ملاك مقارنة بهم، على الأقل ضحاياي قلة وضحاياهم مجتمع، سرقت بعض المال، سرقوا شعوباً كاملة) ص75 . .  

ومن البديهي في المجتمع الديستوبيا أن الخير والشر في معيار واحد متساوياً، ربما على الأرجح أن الشر يحطم الخير ويصرعه، وما ( عرقول ) إلا من هذه الحفنة الرذيلة التي تنخر المجتمع بأخلاق الفساد والمحارم . لأنه يحمل في عقليته الحقد والكراهية والعدوانية، والأخلاق المنحطة التي تربى عليها منذ الطفولة. ولكن كيف تقبل الالهة لهؤلاء ان يكونوا على رأس هرم الواقع والوجود ؟، وما هم إلا لوثة قذرة بالدنس في فساد المجتمع وتخريبه، حتى لو كانوا يحملون راية   المقدس ؟، ولكن السؤال الكبير: هل هذه نهاية المطاف للواقع والوجود؟ 

ألم توجد قيم ومبادئ وأخلاق حسنة؟، ألم توجد عقليات غير ملوثة بالدنس والمحارم؟ نعم توجد افكار وعقليات نيرة تسمو بصفات الحميدة وترشد الناس الى الطريق الصواب (بالمعنى المجازي نعم. هناك آلاف الافكار التي تسمو بالبشر نحو الطريق الصواب، لكن أحداً منكم لا يرى أحداً) ص151. 

× الكتاب: رواية الملعون المقدس

× الكاتب: محمد إقبال حرب

 × سنة الاصدار: عام 2021

× عدد الصفحات: 177 صفحة

× اصدار: دار النهضة العربية بيروت / لبنان

اترك تعليقًا