ثوب قصائد

تائه بين الموت والحياة، قلب ينبض في جسد جاوَر الأموات. لم يبقً في حوزتي إلا أسمال تسترني من فضيحة جسد سقيم. ثوب مشاعر بال يدثرني، تتماوج بين ثقوبه بقايا حروف باهتة كتبها شاعر كنت أعرفه. حاولت جمعها ذات زمن غابت شمس وتوارى عنه القمر. خانتني الذاكرة في خضم الظلام وتكالب الأيام فتبعثر الكلام وشُلّت الخواطر. سِرت كالأعشى أواري خيبتي بين سباسب الغابة غير عابئ بخارطة مساراتها. توكأت على بقايا ساق ورثتها من جسد قديم إلى حيث سقطت الاتجاهات، هاربًا من روائح الأموات التي تطاردني. لم أستطع السير بعيدًا إذ هاجمتني القوارض وقضمت عكازي الوحيد. تحسّست ما حولي فوجدت حجرًا يحملني وهموم وجودي، جلست عليه فأدركت انه عجيزتي. رائحة الأموات تغمر المكان، تقتحمني بضرواة، لا أستطيع الفرار منها، بل لا بصيص أمل، أو نزف نور من جذوة نارٍ منسية.

سمعت من البعيد صدى خطى تقترب. راعني دبيبها مترافقًا مع همس أشباح تتسارع ناحيتي برتابة القاصدين.  شعرت بالرهبة لكن قلبي لم ينتفض كما في حالات خوفي ورعبي. وضعت يدي على صدري متحسسًا وجودي فلم أشعر بونّات قلبي تنبض. دبيب الخطى يقترب من بؤرة ظلامي بين قطع الليل المتراصّة وكأنها تدرك احداثيات مكاني. ما أن شعرت بحرارة كياناتها يلتف محيطي حتى اكتسح الصمت غابة التيه السوداء فضربني الهلع بسياط الخوف حتى أرداني أسير جبني. فجأة، صدح صوت على حين غرّة مبشرًا بوجود بشر فسكنت مطمئنًا إلى نجدة أبناء جلدتي. اخترق طمأنينتي الوليدة ذاك الصوت كنبلة يحملها صوته الأجش وهو يقول: رائحة الموت تنزّ من هذا الميت الجالس على عجيزته.

ردّ صوت يجاوره: عرفت هذه الجثة الهاربة من لحد ذاك الملحد. دع أنياب المفترسين تتكفل به قبل أن يجمع ثوب قصائده ويسترد الحياة.

محمد إقبال حرب

اترك تعليقًا