
رؤية في واقع الرواية اللبنانية المعاصرة
“رؤية في واقع الرواية اللبنانية المعاصرة”، مقال شاركت فيه في ملف الوسط الثقافي في لبنان الذي نشرته جريدة الجزيرة السعودية بتاريخ 5 تشرين الأول 2019
بين الكاتب والروائي الدكتور «محمد إقبال حرب»: أن الرواية فن أدبي سردي يضم الكثير من الشخصيات تتنوع بتنوع صفاتها وانفعالاتها، له قواعد فنية تعرف عليها العرب من خلال الترجمات، إذ يعتبر فن الرواية فناً جديداً نسبياً عند العرب وأن لبنان لا يختلف كثيراً عن غيره من البلدان العربية في هذا المجال مع الأخذ بالاعتبار أنه كان من السباقين في هذا المضمار إذ انطلقت الرواية اللبنانية مع بداية خمسينيات القرن الماضي.
«الحرب الأهلية أنتجت جيلاً طائفياً ملوثاً»
وقال «حرب»: وحتى نقيّم الرواية اللبنانية الحديثة علينا الأخذ بالاعتبار الظروف التي تحكم إبداع الروائي. فالرواية هي مجموعة من الخبرات الإنسانية والثقافية تحفز الكاتب إلى تجاوز واقعه إلى عالم أسمى يعكس البيئة والمحيط الإنساني الذي عاشه الكاتب. بعد حرب أهلية طاحنة أنتجت جيلًا ملوثًا نفسيًا, تكتسيه ويلات الحرب في برنامج تربوي ملوث طائفيًا وسياسيًا وواقع اقتصادي طارد. إضافة إلى برامج تعليم مستوردة تفرض على الطالب ثقافات لا يعيشها وشخصيات لا علاقة لها بواقعه مما أصاب الجيل الجديد، جيل الحرب وما تبعه بازدواج في الشخصية تتلاطم بين الواقع والخيال. إضافة على أن وزارة التربية لم تفرض على المدارس الأجنبية أو التي تتخذ من مناهج الغرب راية لها تدريس اللغة العربية بشكل جدي صارم.
و»تابع»: من هنا نجد بأن الطالب يقرأ الروايات الأجنبية بلغتها الأم مما أضعف العلاقة الوثيقة بين الطالب ولغته الأم فنتج جيل جديد لا يفقه اللغة ولا يعير منتجاتها الأدبية اهتماما بل وتشرَّب الروح الغربية وثقافتها فأخذ يدافع عنهما وينتشي عصارتهما ليعاني بعدها من فقر حاد في كينونته الحضارية فلا يستطيع الربط بين ما يقرأ ويتخيل وبين ما يراه على أرض الواقع. أثر هذا على الروائيين والقاصين الذين لا يجدون مثالاً عربياً يقتدون به ولا يجدون القارئ والناقد ليرشدهما إلى درب العطاء ويبعث في إلهامهم حافزاً يدفعهم للمغامرة بأفكارهم وخيالهم إلى عالم الإبداع. ومع هذا نجد أن الرواية اللبنانية الحديثة تشرق بين الحين والآخر فبرع العديد من المعاصرين كالأستاذ عبده وازن وانطوان دويهي وطلال شتوي باللغة العربية. ولا نستطيع ألا نذكر روائيين لبنانيين كتبا باللغة الفرنسية، أمين معلوف والكسندر نجار.
وأوضح «حرب»: أن مشكلة الروائيين العرب بشكل عام أنها مقتبسة بطريقة أو بأخرى وشخصياتها مشرذمة. أضف إلى ذلك ما يوجد في لبنان موجة من روايات الحرب التي أشبه ما تكون بحكاية تتقاسم شخصياتها البطولة التي يُفرغ منها الكاتب عُقد الحرب والطائفية في ظل العولمة وثورة التكنولوجيا اللتان نكأتا مواطن الضعف في المنهج التعليمي الذي تلقاه الكاتب عبر سنوات الدراسة الغير مهتمة باللغة العربية وفنون الأدب وبلاغة التعبير. وزاد: أعتقد بأن الرواية اللبنانية الحديثة لن تواكب الإبداع في ظل برنامج تعليمي متهالك وإصرار المدارس الخاصة والأجنبية على عدم الاهتمام باللغة العربية تحت إصرار أهل الطلبة بتعليمهم لغات أجنبية ليضمن أبناؤهم عملاً في الخارج. نحن نجني ما زرعناه، إذ لا يمكن أن نزرع بذور حضارة مغايرة ولغة غريبة في عقول أطفالنا ونتوقع ثماراً أصيلة تعكس عمق حضارتنا ومرارة واقعنا.
رابط المقال كاملاً:
http://www.al-jazirah.com/2019/20191005/cm33.htm