عنزتي والتيس

كانت لي عنزةٌ بيضاء، اشتريتها أيام الرخاء، وهي عَنَاق رضيع. أحببت ثغاؤها الذي كانت تردده دون كلل أو ملل، بينما تتسلق الأشجار وتقفز فوق الأغصان. أما قرونها التي نبتت بلونها البني فزادتها بهاءً وجمالاً فظننتها استحالت غزالاً. ألفت صحبتها والنظر إلى رقصاتها فاتخذتها رفيقاً عوضاً عن كلب ينبح أو قط يموء. وذات يوم كنت أعمل في حقلي أرقني صوتٌ أجش لراعٍ أشعثَ أغبرَ، كث اللحية، شكله مبعثر يجر خلفه قطيع من الماعزبينما هو يصرخ ويزمجر. بادرني بصوت يسارع الغضب: يا صاحب العنزة البيضاء …يا صاحب غنزة العلوج. قلت: ماذا تريد أيها الراعي الشريد؟ قال: اتق الله في عنزك… استرها ستر الله عليك يوم القيامة. قلت: استر ماذا…إن هي إلا عنزة. قال: انظر إلى مؤخرتها تغري تيسي القادم من البعيد. لئن لم تسترها يوم غد سأقتلها درءاً للفاحشة. قلت: ولكن عنزك كله مكشوف. قال: ويحك، أتقارن عنزي الذي لا يخرج أبداً إلا برفقة تيسه مع عنزتك الوحيدة التي ليس لها تيس يحميها. قلت: فعلاً لعنزك تيسان يزودان عنهم شر التيوس الغريبة. استشاط غضباً وضربني بعصاه مهدداً متوعداً أن يقتلني إن لم أستر مؤخرة عنزتي البيضاء. سترتها خوفا من بطشه وذهبت إلى عملي في اليوم التالي آمناًشر ذاك الأشعث. وعند الظهيرة بينما كنت مستلقياً بغية الراحة، أرقب عنزتي تقفز حولي وثغاءها يطرب مشاعري إذ برجل الأمس هاجم كالذئب يزبد ويقول: أَسكِتها، أَسكِتها لقد أثارت مشاعر تَـيسي وتيوس الرعيان الآخرين… اتق الله… اسكِتها قبل أناسْكِتكما. قلت: إنه ثغاء وليس وباء يا هذا. قال: عندما يكون الثغاء من عنزة شقراء سيصبح وباء يثير تيسي إلى ما لا تحمد عقباه. بالله عليك لو كنت مكانه ماذا تفعل؟ استغربت سؤاله وتجاهلت الإجابة وقلت: عليك بتأديبه وغض بصره عن عنز الأغراب. أجاب بصوت نافر وقد استشاط غيظاً حتى ظننته هو التيس الثائر على عنزتي: ألا تفهم بأن عنزتك من بلاد العلوج والانقضاض عليها يجوز كما قال شيخ الرعيان. لا تجادلني واغرب عن وجهي. وضعت رباطاً حول فمها، وكلي خوف من هذا اللعين الذي عاد مسرعاً ليقول: ألا تراعي مشاعرنا حتى تقتني عنزاً لها قرون، عنز تتشبه بالتيوس. ثم تابع قائلاً: هذه العنزة شاذة، شاذة سأقتلها غداً…. لا بل سأضعها مع تيسي في زريبة منفردة. ضاقت بي السبل وتسلل الخوف إلى أعماقي فقررت الرحيل قبل أن يعود مع تيسه الموعود فصحوت باكراً كي أنفذ بجلدي وعنزتي. أردت أن أرتوي بكوب من الحليب قبل الشروع في السفر فجلست قرب عنزتي أحلبها كي أنتشي بكوب طازج. وفجأة قفز إلى جانبي لعين الرعيان وهو يقول: ما عنزتك هذه إلا فتنة تسحرك حتى تلامس ضرعها بحجة حلبها، سأقيم عليكما الحد قبل أن يأثم تيسي. قلت يا هذا لما لا تخصي تيسك، بل وتخصي نفسك أيضاً حتى لا تتحملا وزر ماعز غريب. أمسك بعنزتي كعاشق ملهوف وهو يهددني بنبُّوته فهربت منه كخروف جبان ألعن العنز والرعيان. محمد إقبال حرب من كتاب “يعيش النظام” اللوحة من أعمل الفنانة التشكيلية ديانا أبو حمزة

اترك تعليقًا