الجائزة الكبرى

جاء بي من كشك على الرصيف وساقني كنعجة الأضاحي في وضع مخيف. لا أدري لماذا أنا أُساق حيث تَدمع أحداق الكريم ليفرح السافل اللئيم بينما يُحطَّم كيان إنسان. لم يكن هناك وقت للتفكير أو أمل في التدبير بين هذه الجعجعة وتلك المعمعة . فلقد جائني وحش بشكل بشر ظننته من نوع قد إندثر. هائج مائج يحمل من الأدوات ما يبشر بالممات. دفعني الى الأرض معلناً بداية الجولة وأنا لا قوة ولا حول, فيما عيون الحاضرين تضاعف الرهان…كم من الوقت يأخذ الوحش كي يهين إنسان ؟

كان السوط متسارعا في سباق الجائزة الكبرى  علَّه يظفر في عناق مع جسدي دون اشتياق. بل قد يصل قبل الحذاء البارع إلى وجهي الدامع, بينما الحذاء يتحدى أخلاق الشرطي الخسيسة في أيهما أكثر قذارة واندحارا فيما القبضة تتسلل الى وجهي في حقارة. غير أن اللسان السليط تفوق على الجميع نابذاً ببذاءة إستخرجها من خساسة وسَفالة مُعتَقَّة في رذالة تصبح معها خضراء الدمن خِدر شريفة.

تسارع سباق الأطراف والحذاء المجذاف إلى هدف كان بشريا في عُرفٍ سماويا سبق عصر النذالة. لكن اللسان تحرك سريعا ووصوله كان مريعا. لقد أخذ الجائزة الكبرى بزبدة الإنحطاط فشَلَّ الكبرياء وذابت معادن الأشياء في آتون الذُل تاركاً بقية الأعضاء تتسابق الى موقع الوصيف في حال غياب الملك عن مملكة تحطيم الكيان وذَل الإنسان.

مع ان الحركة سريعة والتوقعات مريعة تباطأ الزمن وأصبح أشد وضوحاً وكلوحا. ها أنا أرى الحذاء معلق بقدم وحشية مسرعة من البعيد القصي إلى هدف مُبين في جسدي الساكن الذي اشتد ثم ارتعد خائفا مرتد بعدما  تيبس وانكمش, علَّه يختفي من الوجود او يصبح هباء منشود.  سابَقته إليَّ قبضة خشنة المظهر والسم منها يتقطر, عتيةٌ كمطرقة الحداد سريعةٌ كرصاص قناص ليس من هدفه مناص, تسبر الهواء محدثة ازيزا, لو كنت على شاطئ لظننته نسيما لذيذا.

وبين هذان المتنافسان جاءت من الفم رسالة رطبة قذرة…كأنها بقية حثالة من آكل نخالة. لكن قبل ان تستقر وتنفجر, وقبل ان تتمزق الرجولة وتذوب الى الحطيم ذكريات الفحولة إقتحمتني عصا في حدة عند مكان قصي ظننته محمي. صرخت صرخة صامتة في ذات أذلَّها إنسان في زمن الطغيان والشرطي يصرخ صرخة انتصار اصابيني باندحار “أولجتها بضربة واحدة”.

صفقت له الجماهير وانطلق النفير مبشرا بالجائزة الكبرى.

من كتاب:  موت شاعرة

 محمد إقبال حرب

اترك تعليقًا