رنَّـة

رَنَّـة

كم أشتاق إلى عصر مضى وترحل بي الأشواق خلف الردى تناجي خيالاً وصدى. ترحل في عمق الفضاء حيث تتلاشى أصوات البشر كبخار الماء.  تجمعها حواري الغروب زلالاً في أباريق الذكرى لتسكبها في سحر الليل كؤوسا من حنين

أقترب من الشفق، أسترق أصواتا هجعت …أرتشف كؤوساً ملأتها حواري.
كان صوته هناك، كان صوتها هنا… بل كانت الأحرف تتسلق كياني لتصل إلى أُذنيَّ فتنام هنيئة قريرة. لا يهم إن كان صوتاً حنوناً أم أجش، رخيماً أم حميماً فقد كانت الحناجر تصدح للقريب والمهاجر، تهمس للحسيب والرقيب … تعشق، تزمجر كما تغني وتنوح. لكنها بُحَّت، خبت وتلاشت دون أن تداعب المشاعر.

ما عاد البشر يتسامرون بالحديث ويتكلمون. رحل صوت الرفيق، غادر صوت القريب. استغنى عنه البشر، لم يعد الحديث صلة وصل بين شوق وحنين. تلاشت العلاقات الإنسانية مع ارتفاع درجة الحضارة المادية… وسكت اللسان.

صباح الخير لم تعد بهجة الصباح…. “كل عيد وأنتم بخير” بصوت بهيج يحمل بركات العيد، أضحت رسالة لها رنة غريبة لا صديقة ولا حبيبة. إن هي الا رسائل في جوال كتبت على عجل، أو تحية مسروقة من كاتب مغمور على الفايس بوك.. وربما شكوى طويلة عليلة على الياهو.
ياه كم تلاشت أواصر الصداقة وتحللت روابط القربى فخبت الأصوات من الهمس والاتصالات حتى اصبحت التحيات عديمة المعنى والخصوصية. رسالة واحدة لألف اسم. كلمة ود لمئة فتاة. صورة منسوخة ممسوخة من عالم غريب تندس في رسائل بلا رقيب.

رنَّة طنانة لا روح فيها ولا أمل…. نقرأ ونمسح دون أسف. ثم نتساءل أيا ترى من ذاك الذي أرسل تلك الكلمات الرقيقة؟ أكانت لي أم أرسلت خطأ. فلا نذكر إلا رَّنة زنانة من هاتف حديث لا يغني عن شوق لحديث تقطعت أوتاره وخبت ناره.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s