بقلم الكاتب محمد فتحي المقداد
أيقنتُ منذ زمان غير بعيد، بأنَّ الكتابة عملٌ شاقٌّ حقيقة لا جدال ولا مِراء فيها، رغم مُتابعتي الحثيثة لما يُنشَر على وسائل التواصل، كثيره الغثُّ وقليله السَّمين ذي الفائدة، ولا أقول عن المنقول والمنحول والمسروق من صفحات أخرى، وليست أيَّة كتابة لأيِّ نصٍّ مُغرية بالقراءة والمُتابعة، وهذا بالطَّبع ليس من باب الاستعلاء على الآخرين، إنَّما من طريق فرز الأفضل والبحث عن الأجود صياغة للفكرة، وطريقة التعامل معها، وهنا تتجلَّى مهارة الكاتب أيّ كاتب، كيف سيُدير فكرته؟.
ومنذ فترة وصلتني نسخة إلكترونيَّة (pdf) من كتاب “الفكر عورة” للصديق الكاتب والأديب الروائي “محمد إقبال حرب” من لبنان. بداية العنوان لفت انتباهي بغرابته، وإشكاليَّته المُثيرة، ولمَّا وجدتُ الفُرصة مُواتية بعد عودتي الطوعيَّة من الأردنِّ إلى بلدي وموطني، واستقراري المبدئي؛ كانت العودة أيضًا لبرنامج القراءة من جديد، بعد انقطاع إجباريٍّ لفترة لم تتعدَّ الشَّهرين.
لقائي مع الكتاب لم يكُن عاديًّا، بل اِكْتشفتُ من جديد التماثُل الفكريِّ بنقاط عديدة، جمعتني بالصَّديق “محمد إقبال حرب“، ووقفتُ على مجموعة من الجُمل، والعبارات ذات الدَّلالات العميقة، ومن الممكن إطلاق عليها مصطلح الجمل المفتاحية، التي نافذة لتشكيل الجمل المشهديَّة. الجملة الواحدة مشهدٌ بحدِّ ذاته.
وقُمت بتدوينها في دفتري، ومن ثمَّ… ولتعميم الفائدة، نقلتُها إلى عالم القرَّاء والمُهتميِّن، لعِظَم فائدتها -لاِعْتقادي ذلك على الأقلِّ-:
* (إن الزرازير لمَّا قام قائمها توهمَّت أنَّها صارت شواهينا) للشَّاعر صفِّي الدِّين الحلِّي. هذا بيت الشِّعر تصدَّر الصفحة الأولى من الكتاب، وتظهر دلالة الاختيار، وبُعدها الفلسفي.
* أهل الضَّاد والأضداد.
* نُبِشَت رُفات الرَّشيد فأفقده رُشده، ونُبِشَتْ رُفات الزبَّاء في وضَح النَّهار، ونُبِشَت رُفات عمر المُختار من دون أيِّ شكوى أو مظلمة.
* اِسْتَعَنَّا بالجانِّ، واِحْتميْنا بالأمريكان.
* يوم أن كانت ولادتي نكبة جديدة، توصم وجه العائلة بعجزها عن توليد ذَكَرٍ آخَر، يحمل بُندقيَّة ؛ للثأر من العائلة المُنافسة.
* عَتَبي على اللَّيل بأحزانه التي يسوقها من كلِّ حَدَبٍ وصَوْب.
* لم يشأ الزَّعيم أن يراني مُغادرًا من دون رفيق؛ فقتلهم جميعًا، ثمَّ توضَّأ بدمائهم، وأقام صلاة الشُّكر لربِّه، الذي أنقَذ عرشه بقرابين، بشُريةٍ يعشقها ربُّ الطّغاة.
* جاء كابوس في منامي، رأيتُ شَبَحًا يُناديني: “يا إنسان” فَخِفْتُ من هذا الاحترام، وصَدَح بي مرَّة أخرى: أنتَ يا أيُّها الإنسان”. قلتُ له: ” لا .. لا أنا حيوان، هكذا علَّمني مُعلِّمي الطَّاغية”.
* فاقتادوني إلى مدرسة التَّأهيل . شرحَ لي المسؤول الكريم جريمتي، وأمر القاضي بتقويم اِعْوجاجي؛ فعيَّن لي رجُل يهديني إلى طريق الحاكم القويم. تولَّى أمري رجالٌ أشدَّاء، بختم جسدي بالأوامر السُّلطانيَّة؛ فدمغوا الأقوال بالسِّياط، ومهروها بنُبوت السُّلطان لسعًا ووخزًا.
* ستكون وجبة الإيمان دسمةً، حينما تُطيَّبُ ببهارات الدِّيانات الأخرى.
* نحن نستخدم العُنصريَّة في حياتنا كالماء والهواء.ن كانت و
* في أمريكا قَتلَ شُرطيٌّ رجلًا من أُصول أفريقيَّة؛ فثار الشَّعب في أمريكا احتاجًا، وهلَّل العُربان فرحين، ينتظرون نهاية الشَّيْطان الأكبر.
* يا هذا دُموعكَ تملأُ البحر نجاسة رغم مُلوحته، والعصافير تهرب إلى عليائها كي لا تسمع شكواك.
* من غرائب القَدَر، أنَّ النَّاس صنعوا إلهًا يُشبههم، يُحبُّ ويكره ويُتاجر بالمشاعر.
* تألَّق.. تجلَّ. سيِّدي الدُّولار؛ فلم يحدُث أن اُتُّفِق على إله سِواك.
* المعبد الطَّاغي.
* مهما كان حال البقرة، سينتهي بها الأمر إلى سكِّين الجزَّار، ليُقطِّعها إرَبًا؛ تُدِرُّ على سيِّدها أضعاف كلفتها.
* لا نجدُ حيوانًا يتغذَّى على نوعه.
هذه العبارات اقتُبِسَت من سياق مقالات فكريَّة وثقافيَّة مادَّة كتاب “الفكر عَوْرَة“، الذي يُمثِل صرخة “محمد إقبال حرب” الصَّادقة الغاضبة الجريئة… ولكن هل من مُجيب…!!. ومن عجائب الجُمَل المفتاحيَّة، على أنَّها دليل دامغ على اتِّساع سعة المخزون الثقافيِّ لدى الكاتب، وعُمْق أفكاره،ـ ومهارته بالقدرة على توظيف مثل هذه الجُمَل، التي تصلُح لتكون أحجار أساس لأيِّ نصٍّ أدبيٍّ في مجالها.
بتوقيت بُصرى ــــــــــــا 12. 12. 2025