من كتب أُوبريت الأواني
من لحَّن رقصةَ الطَّناجِر… مواويلَ الحُللِ والقتلِ السَّافرِ
تخرُجُ براعمُ البشَرِ من رُكامٍ، كان بيتًا، حيًّا… مدينةً. يتمنطقون بما يستُر عِظامَهم النابئة، وخُدودَهم الضَّامِرة… يخرُجون خِماصًا، مودّعين الجياع، آملين بعَودٍ مُظفّر، مُسلَّحين بحُللٍ قديمة، زُجاجات ماء خاوية كانت بين الرُّكام. يسيرون بين رُكام ورُكام، عبر السُّخام، في يوم ربُّه شيطانٌ رجيمٌ أعلنته “الأُممُ المُتناحِرةُ” يومَ توزيعِ طعامٍ يسبِقُ موتًا زؤام.
لا يكترثُ أبناءُ الجفافِ، والسَّنوات العِجاف، حيث تساوى النقضيان. يسيرون زَرافاتٍ علَّ السَّماء تُمطِرُ شَرابًا، بعضَ طعامٍ، فيبلّلون شِفاهًا يابسةً، شقّقها الظُّلمُ والطُّغيانُ، خانها الأهلُ وعافها الجيرانُ… وباءُ الحريَّة يخافُه الحُكَّام. مسيرةٌ تزغردُ أنينًا، يرقُصون رقصةَ الطَّناجِر، ينشُدون موّالَ موتٍ حائر، قرقعةَ آخ من يتيم، قرقعةَ معِدة عزَّ عليها الطَّعامُ، قرقعةً من جُلجلة الآلام. لا دموعَ تُذرفُ يومَ جَفّت الشرايينُ والمآقي، يومَ غارت العُيون في المحِاجِر، يوم عجِزَ الأقوياءُ عن حَمل الطَّناجِر… بعد عام ذي مَسغبةٍ شُلّت فيه الأبدانُ وخذَلها كلُّ من آمن وكفَر بالرحمن.
يتراصُّون عند مركزِ “الأُمم المُتناحرة”، في يوم حَشر عظيم، كنِعاجٍ صباحَ الأضحى تظنُّه من أيام النعيم. ينتظرون الماءَ والغِذاء، عيِّنات كحبَّة دواء. تتناقلُ صُورَهم وكالاتُ الأنباء كأنَّهم وباء. يرصُدون حركاتِهم، تمايُلَ أجسادِهم الهزيلة غير عابئين بعشرات القنّاصين الذين يعدُّون، يُراقبون، أسلحتَهم يتفحَّصون لينفِّذوا أوامرَ الشَّيطان.
تعزِفُ موسيقى غَرف الطَّعام… تُنشدُ مواويل المَجاعة، يتمايلُ الأطفالُ خوفَ الانهيار في رقصةِ طناجرَ فارغةٍ تنتظرُ بلَلها.
يأتي فرجُ جمعيَّة “الأُمم المُتناحرة”، تتساقطُ جُرعات الطَّعام بصوتِها الرَّخيم على آذان الجياع، على بعيد ينتظرُ لُقمةً، شُربةَ ماءٍ ليعيشَ يومًا آخر آملًا بمُعجزةٍ في عصرِ البلاء.
يشمئزُّ المُخرجُ من نَشاز صوتِ الأواني، يصرُخ “أَسكِتوا المُخرِّبين” “أَسكتوا الجِياع”. يفرحُ القنَّاصون أن وقتهم لم يضِع سُدًى. رصاصٌ يطيرُ في المدى، إلى رأسٍ موسوم بموتٍ محتوم، إلى قلب كان ينبُض براءة حياة… يرى العالمُ أجمع القتلَ على الشَّاشات، يشيحُ “المُتحضِّرون” وجوهَهم، ويُطأطئ مُحبّو “السلام” رؤوسهم، يصرُخون “ما الذي جاء بالطِّفل إلى أرض الصِّراع؟” لماذا يحملُ الأطفالُ سِلاح الطَّناجِر الذي يُزعجُ المُستوطنين!!! لماذا يأخذون الطَّعام إلى “الإرهابيِّين”؟
يُصلّي العربُ والمُسلمون صلاةَ “النبذ”، “صلاةَ التملُّص” على الأطفالِ المقتولين الذين تجرّأوا استجداء شُربة ماء، من أرضِ البلاء، وكانوا قد أرسلوا لهم أكفانَهم قبل موتِهم فرفضوا أن يُدفَنوا وهُم أحياء.
تُعرض مسرحيَّةُ الشَّيطان يومًا بعد يوم…تنكمشُ غزّة، تتهاوى أرضُ العُربان وزُعماء الأُمَّة لا يُقصّرون. لا يطرُدون سفيرًا، لا يُعلنون للجهادِ نفيرًا، لكنهم يتوضَّأون بدم الضحايا، ويُصلُّون مُستغفرين لبني صِهيون عن سُفهاء مُتمرِّدين لا يعقُلون.
محمد إقبال حرب