دراسة نقدية لقصة “أشول

دراسة نقدية لقصّة “أشول” من كتاب “يعيش النظام”

بقلم: الأستاذة سمية الإسماعيل/ سورية

أمسكها بقبضته حتى جمع أشتاتها، ثم مرر أنامله بين شعابها، وقال الحمد لله، بينما تتخلل أنامله شعر لحيته الكثّْ. أخذ نفساً عميقاً بينما يكلم نفسه قائلاً:

ما كنت يوماً حليقاً ولا مسَّ موس بشرتي،كي أُبقي روافد الإيمان فيض عطاء أنهل منه ما شاء رب العالمين، فأُفيد بني أمتي بما وهبني الله من فقه ومقدرة على العطاء والافتاء. ها قد أنقذت البرية من شوائب الكفر والضلال. نعم أنا من أعطى القوة والسلطان لمن أدرك معاني الايمان .

أنا من أفتى للعالمين بما يردهم إلى طريق الصواب, ويُعيدهم درب السلف قهقرى. أنا من أجاز نحر من ضل َّمن البشر عما أراه صواباً, أنا من أفتى بقتل الكبير والصغير في سبيل رفع الراية دون شفقة أو رحمة. أنا من أعاد للرجل سطوته بعد أن سُرقت منه نعتمه في غربة جهاده فأجزت جهاد النكاح .

صمت قليلاً ثم استرسل في بحر أمجاده مسترجعاً بعض الفتاوى: ألم أُعد المرأة إلى حجمها كي تبقى عبدة دُفع ثمنها، فاستحقت ما وجدت من أجل خدمة بعلها كيفما شاء. ألم أغطِّها وأستر كل ما فيها من عورات؟ ولأنها لؤلؤة بلا محارة أدخلتها مغارة سوداء تبقيها عن أعين السفهاء. ألم أمنع التبرج ولبس سروايل الغرب الكافر؟ أنا من أعاد لأبي جهلٍ أمجاده ودمرت أوثان الأضرحة… أنا وأنا وأنا.

أنا عظيم… أنا من يقرِّر مَنْ يحيا ومَنْ يموت, بل كيف يموت…. بإذن الله طبعا.ً

ولكنني توقفت عن الفتاوى منذ أيام, مذ دخل ذاك الملتحي بيننا يدَّعي علماً ينافسني به، وكأنه يريد أن يعارض بعض أفكاري. من يجرؤ على اعتراضي وأنا شيخ العلماء بين الأرض والسماء؟

أمسك لحيته بقوة وإصرار وتحدث إلى شيطانه قائلاً: إنه حجر عثرة في طريقي لإصلاح الناس الذين هم في عهر وفجر, الذين يستوردون حضارة غريبة مريبة تبعث في ذات المؤمن ريبة. يجب عليَّ إعادتهم إلى حيث كان السلف بلا حضارة، ينالون حقوقاً بلا حساب. أنا وأصحابي فقط مؤمنون والباقي كفرة ملعونون.

نعم يجب أن أوقف ذاك الرجل عند حدِّه, إنه يدَّعي أنه من جماعتي وغداً سيتخطى زعامتي ويجرؤ على ما أفتي. كيف أُفتي بقتله … كيف؟

آه لقد وجدتها. إنه أشول والأشول صاحب الشياطين، يُطعمهم بيده المحظورة، فيزيدهم قوة وسلطاناً. لا بد أن نقضي على كل أشول حتى نقضي على آفة الشياطين… نعم هذه هي الفتوى الصحيحة. اقتلوا كل أشول وعليكم بأقرب الناس إليكم حتى تبعدوا عنكم شبهات الكفر والضلالة.

اقتلوه…. اقتلوه

فقتلوه

منع الناس من الصلاة على كافر وسجد على بساط لحيته سجدتي شكر لله على نعمائه وعطاياه.

———————

القراءة

و كأني أمام فرعون بُعث من جديد و هو يقول ” أنا ربكم الأعلى”

شيوخ فتنةٍ أم هداية؟

هل نحن مغيّبون؟ كيف تسلّط هؤلاء المدّعين علينا فنصّبوا أنفسهم بمقام الآلهة..

ارخ لحيتك، و قصّر جلبابك، و افتّ بما لا يقبله عقلٌ و لا دين

*من أين تم استقاء الفكرة؟

تعكس القصة واقعًا اجتماعيًا ودينيًا مركبًا مستمدًا من التحوّلات الفكرية والدينية في المجتمعات التي تخضع لهيمنة تيارات متطرّفة. استلهم الكاتب فكرته من التناقضات التي تحملها بعض الفتاوى وأثرها المدمر على الأفراد والمجتمعات، ما يضع القارئ أمام تساؤلات عميقة حول شرعية تلك الفتاوى ومرجعياتها.

*ماذا أراد الكاتب أن يقول؟

يوّجه الكاتب انتقادًا لاذعًا لهيمنة الفكر المتطرف، خصوصًا أولئك الذين يحتكرون تفسير النصوص الدينية لخدمة أجنداتهم الشخصية والسياسية. فنجد أن القصة تسلط الضوء على نرجسية هذا “الشيخ” الذي يستغل الدين لتبرير العنف، تكريس السلطة الذكورية، وتشويه القيم الدينية الأصيلة، إنها تعاظم الـ” أنا” لديه فنرى أن هذه الكلمة تتكرّر كثيرًا ضمن سياق السرد، “أنا من أعطى / أنا من أفتى/ أنا من أجاز/ أنا من أعاد/ أنا من يحيي و يميت …” و لكن من أنت؟

القصة تكشف نرجسية الشيخ، و التي مردّها إلى عاملين، ذكوريته و مكانته الدينيّة ، الأمر الذي يجعله ينظر إلى نفسه كأنه “رب الناس”، يقرر مصائرهم وأقدارهم. يرى نفسه فوق البشر، يستحق وحده تفسير الدين، ويُقنن القوانين والأحكام بما يخدم تطلعاته الذاتية.

هذه النرجسية تتجلى في الحوار الداخلي الذي يعكس تضخّم الأنا، واعتقاده بأنه المنقذ الوحيد للأمة، في حين أنه مصدر الهلاك. يقول في حواره مع شيطانه عن الشيخ الآخر:

“إنه حجر عثرة في طريقي لإصلاح الناس الذين هم في عهر وفجر, الذين يستوردون حضارة غريبة مريبة تبعث في ذات المؤمن ريبة. يجب عليَّ إعادتهم إلى حيث كان السلف بلا حضارة، ينالون حقوقاً بلا حساب”

بل و تتجلّى تلك النرجسيّة في “القرقوشيّة ” حيث أنه:

“منع الناس من الصلاة على كافر وسجد على بساط لحيته سجدتي شكر لله على نعمائه وعطاياه.”

*الإسقاط التاريخي للفكرة:

تشير فكرة النصّ إلى إسقاطات تاريخية معاصرة، حيث يُوظَّف الدين لإضفاء الشرعية على الجرائم، مثل التكفير، تبرير القتل، و جهاد النكاح، الذي يعيد إلى الأذهان ممارسات الجماعات المتطرفة التي تستغل الدين لتبرير أفعالها. حيث نجد الفكرة تتجسّد ضمن سياقاتٍ متعدّدة

*المرأة, لبانة الشيوخ

لقد أصبحت المرأة هي الشغل الشاغل في عملية الافتاء بما لها و ما عليها. و المرأة في هذه القصة تُعامل كعبد، تُسلب حقوقها بذريعة الدين وتخضع لمنطق الشيخ الذكوري. فنجد أن هناك تناقضًا صارخًا بين مكانة المرأة التي منحها الإسلام ككائن مُكرّم له حقوقٌ مساويةٌ للرجل، في الثواب و العقاب، و بعض التكليفات، وبين الدور الذي يرسمه الشيخ المتعصب، حيث تُحرم من كرامتها وتُرد إلى مجرد أداة لخدمة الرجل. لقد أسبغ عليها النواهي، و التحريمات، بينما ترك الرجل في حلٍّ من أيّ التزام، تحت مبدأ الشرع و الدين،و هذا بحد ذاته مخالفة صارخة.

الكاتب يظهر كيف يمكن للتفسيرات الدينية المغلوطة أن تصبح أداة للقتل والاضطهاد. فتوى قتل “الأشول” تعكس مدى الهمجية والتخلف الفكري الذي يدعو له الشيخ، حيث يُبرر القتل بذرائع سخيفة تدل على انعدام العقلانية.

*المبررات المعلّبة:

إن تبرير قتل الشيخ الآخر يتم باستخدام حيلة متناقضة وسخيفة (كونه أشول). هذا التبرير يفضح العبثية التي يدير بها الشيخ أفكاره وفتاواه، ويبرز تأثير نزعاته الشخصية على قراراته، مما يجعل القتل فعلًا مُقدّسًا في سياقه المريض. و هنا نجد أن “الأنا” المتضخّمة لديه تُعمي بصره و بصيرته، و ترجح المصلحة على القيم الدينيّة و الأخلاقية، فالغاية عنده تُبرر الوسيلة، ميكيافيللية متجسّدة بوضوح. فالآخر قد يتفوّق و قد ينحّيه جانبًا ليكون هو صاحب السلطان و الشرعيّة:

“نعم يجب أن أوقف ذاك الرجل عند حدِّه, إنه يدَّعي أنه من جماعتي وغداً سيتخطى زعامتي ويجرؤ على ما أفتي. كيف أُفتي بقتله.”

*الفكر المدمّر الذي يقوم على القتل وتكفير الآخر

الشيخ يمثل نموذجًا تطرفيًا يمارس التكفير تجاه الآخر المختلف، ويحض على القتل كوسيلة للتخلص من “الأعداء”.

“أنا وأصحابي فقط مؤمنون والباقي كفرة ملعونون. “

هذا النمط الفكري يعكس خطورة التطرف الديني وكيفية تجنيد الناس باسم الدين لتنفيذ جرائم مروعة.

*جهاد النكاح

الإشارة إلى زواج النكاح تكشف استخدام الدين لتبرير نزوات شخصية وتشويه قدسية العلاقات الإنسانية. يوظف الشيخ هذا “الزواج” ليعيد للمرأة وضعها كسلعة تُباع وتُشترى، متجاهلًا القيم الأخلاقية والدينية الحقيقية.

تقنيات القصة

1. استخدام ضمير المتكلم

الكاتب اعتمد على ضمير المتكلم ليمنح القارئ فرصة للدخول مباشرة في عقل الشيخ. هذا الأسلوب يعكس بصدق مدى غروره ونرجسيته، مما يجعل القارئ يشعر بمدى بشاعة الأفكار التي يؤمن بها.

2 الحبكة

الحبكة متماسكة وتتصاعد تدريجيًا؛ تبدأ بحديث الشيخ عن نفسه، ثم تستعرض تطرفه وفتاواه، وتصل إلى الذروة بفتوى قتل “الأشول”، مما يعكس الجنون المتزايد في شخصيته.

3. البنية السردية

القصة تتبع أسلوب السرد الدائري؛ إذ يبدأ النص بشخصية الشيخ المتكبر وينتهي بنفس الشخصية بعد أن برر القتل.

“أمسكها بقبضته حتى جمع أشتاتها، ثم مرر أنامله بين شعابها، وقال الحمد لله”

ثم

“وسجد على بساط لحيته سجدتي شكر لله “

الذي جعل منه ابتداءً و انتهاءً

وفيما بينهما كان السرد متتابعًا ينقل القارئ بين الأفكار الداخلية للشيخ والقرارات التي يتخذها.

4. اللغة

اللغة متينة ومباشرة، تحمل طابعًا هجائيًا ساخرًا يعري الشخصيات. الكاتب استخدم تراكيب لغوية تصور نرجسية الشيخ ونبرة الأوامر المطلقة التي يستخدمها.

الأبعاد النفسية للشيخ وتأثيرها على القارئ

• الشيخ يعاني من اضطرابات نفسية واضحة؛ فهو متعالٍ، غارق في شعور العظمة، ويبرر أفعاله العنيفة بأنها خدمة للدين.

• تأثيره على القارئ هو إثارة الشعور بالاشمئزاز والغضب من هذا النموذج الذي يستغل الدين، مما يدفع القارئ للتساؤل حول كيفية مواجهة هذه الشخصيات وإصلاح المفاهيم الدينية.

ما تفتقر إليه القصّة

1. الإفراط في الرمزية

بعض الرموز قد تكون مُفرطة، مما يجعل القصة تحتاج إلى قراءة متأنية لفهم الإشارات النقدية.

2. شخصية الشيخ

على الرغم من براعة تصوير الشيخ، إلا أنه يبدو أحادي البُعد، يفتقر إلى العمق الذي قد يضيف تعقيدًا أكبر للنص.

القصة تُعد نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا حادًا، تعري التطرف الفكري وتناقضات السلطة الدينية المغلوطة. على الرغم من عيوبها، تبقى القصة قوية التأثير وتفتح نقاشًا ضروريًا حول دور الدين في الحياة العامة، وكيفية مواجهة الفكر المتطرف بأساليب بنّاءة.

اترك تعليقًا