خرجت من محلٍ تجاري حيث كنت أتسوّق كي أدخن سيجارة في الهواء الطلق. وصلت إلى “بؤرة” المدخنين عند قارعة الطريق مع رجل آخر في نفس الوقت. نظر اليّ وهو ينفث سيجارته في الهواء طَرِباً ثم قال لي مستفسراً: أأنت من هنا؟
نفثت دخان سيجارتي بعيداً عن دخان لفافته خوف تشابك الأدخنة وقلت: أأنت من هناك؟
سمعت جوابه باحتراس ويقظة كما سمعت هاتف الفضول متسلّلاً إلى ذاتي واعظاً فسمعت نصائحه وقلت للرجل: أأنت من الشمال؟
فأجاب واثقاً ورد سائلًا: أأنت من الجنوب؟
ولكن عفريتاً جال في رأسه بعد جوابي فأحب الاطمئنان وقال: أأنت مسلم؟
لكن قريني كان أدهى فأوعز لي ما يطمئنه فقلت له مُربِكاً: أأنت مسيحي؟
وعلى غير ما رسمت أحرجني بجواب غير متوقع، فأردت ردّ الكيل ولطمته بسؤال صارخ: أأنت سني؟
فنظر إليّ ببرود و قال: أأنت شيعي؟
ثم ركلني بسؤال لئيم: أتحب المسؤول فلان؟
قلت له باسماً: أتكره المسؤول فلان؟
انتهت سيجارتي مع آخر سؤال وجّهته إليه، فأخذتها بين إبهامي والوسطى وأطلقت عنانها بعيداً في العلاء وسرت بعيداً مودّعاً جليس السيجارة… ” باي باي “
لم أعرف اسمه كما لم يعرف هو اسمي. لم نستشف خبايا الوجوه من سعادة أو تعاسة. لم أعرف إن كان يحب القهوة أم الشاي، إن كان مثقفاً أم جاهلاً، عائلاً أم وحيداً… صحيحاً أم مريضاً. لم أهتم لشيء من إنسانيته…كما لم يهتم هو بشيء مما سلف. كان جلّ اهتمامي تصنيف هذا الشخص في أعماقي الكريهة وقد نجحت. بالتأكيد عرفت في أية خانة سأصنف ابن الوطن هذا القادم من هناك … عدو أم صديق، مؤمن أم زنديق.
وهكذا يُقتل الوطن.
من كتاب _ موت شاعرة
واقع مؤسف
إعجابLiked by 1 person
للأسف سيدتي
واقع مؤلم ويزداد شراسة
إعجابإعجاب