في ذكرى اخترعها البشر أسموها عيد الميلاد عن غير قصد، كان عيد ميلادي.
في العشرين من نيسان، ختم حارس الزمن على كشف تعداد الأيام التي عشتها والمواد التي استهلكتها خلال العام المنصرم. دقّق، ومحّص في سجلات التنفس، وعدّاد ضربات القلب، كما درس بيانات استهلاك الطاقة قبل أن يصادق على صحّة انقضاء عام آخر من عمري سيتم حسمه من حزمة وجودي. حسابات تكلفة الوحدات البشرية على كوكب الأرض معقدة جدًا، والعمل على تطويرها يتم من خلال مراجعة هذه البيانات السنوية. طبعًا هنالك أنماط بشرية متعددة، بمواصفات مختلفة، كأي سلعة أخرى. لذلك كان التعامل مع الوحدات البشرية يختلف من “موديل” إلى آخر. كان على المراقب أن يصادق التقرير السنوي المفصل عن أداء وحدتي البشرية من مكتب المراقب العام قبل أن يضيف لعداد عمري عامًا راحلًا. لكن لا أدري ما هي نسبة فعاليتي على الكوكب، بل ما هو تصنيفي بين الكتل البشرية؟ هل اؤدي العمل المطلوب مني، الذي لا أعرف عنه شيئًا؟ الغريب في إدارة وحداتنا البشرية هو استبعادنا عن المشهد، فلا تقييم شخصي، لا محفزات أو انذارات. حضورنا إلى هنا كان قسريًا كما سيكون رحيلنا. أحيانًا أغبط المتمردين الذين يتخلصون من حياتهم رغمًا إدارة الكوكب. لقد تعلمت خلال فترة تكويني بأن التخلص من الحياة انتحار، والانتحار مذموم. لا أعرف لماذا لا يسمى الانتحار تمردًا؟
يا لذاك الحارس الذي يحصي الأيام والساعات والثواني، دون كلل أو ملل، ليخصمها من حصتي قبل أن يوعز لحراس الأعمار بإبقاء اشتراك الطاقة ساري المفعول. وأحيانًا يصدر قرار لا عدول عنه بإتلاف الوحدة يوم تصبح كلفة بقائها أعلى من المسموح به في بيانات الشركة. بعد ذلك تتم مصادرة أجهزة الحياة دون سابق انذار. لذلك، حاولت ملاطفته، رشوته، لمعرفة بقايا حصتي لأستثمرها خير استثمار دون جدوى. أخبرته عن معارفي في الدنيا والآخرة فرفض الإفصاح حتى عن عدد صفحات باقي السجل. استدرجته ليخبرني، ولو تخمينًا عن أسماء المغادرين في قطار الأجهزة المنتهية الصلاحية، أو تلك المصادرة لأسباب أمنية. اعتبر محاولاتي تصرفات بشرية مقززة.
لا أكترث بتاتًا لمكتب سجلات الأعمار، ولا لمنظمة تسيير الأقدار. لم أعد أفكر كيف تراكمت السنوات، ولا بعدّاديها. بل توقفت عن إحصاء الأحياء حولي لأن تعقيد هذه المسألة لا يطمئن، والغوص فيها قد يربك نظام الأقدر فيتصرف المراقب العام تصرفات لا تنم عن فهم لمشاعر الكائنات البشرية. فصرف الأنفاس محسوب، ونبض القلب معدود، واستهلاك الطاقة بحسبان. لكن أفكاري تتجاوز قدرة الحارس على الرصد. أفراحي وأحزاني عالم من السعادة المتشظية في خلايا جسدي، تصيب من حولها بندبات فرح لا تنتهي. مشاعري معقدة بما يتجاوز أجهزة رصدهم. من يستطيع ان يحدد مقياس الحب عندي؟ بل من يدري صراع أفكاري وهي في حرب شعواء بين مفردات تتوه في معجم متلاطم من اللغات واللهجات. قد أكون في حالة حب وكراهية مجتمعين، أو حالة عشق متبادل مع جماد. بل قد أكون طفلًا أنعم بجسد هرم، أو معتوهًا في سترة أنيقة، فالبشر في نهاية المطاف كتلة من المشاعر، بخيرها وشرها.
ما همّني من سؤالي عدّ الأيام، أو معرفة عدد سني عمري المنشودة، بل حرصي على الاحتفاظ بضحكتي المجلجلة، لساعة الوداع. أريد أن أترك صدى الفرح بين جدران أغادرها، أن أحمل ألوان السعادة إلى البُعد الآخر. أليست البسمة الصادقة أعقد المشاعر؟
لم أيأس من الفوز بجواب، فكررت المحاولة حتى طفح الكيل بالحارس وقال: لا تخف، جدول هذا العام مزدحم بأجداث موبوءة، يمكنك أن تتنفس عامًا آخر. فضحكت.
محمد إقبال حرب