ذات يوم في دولة الغمّ رُزقت عائلة نكدية أصيلة من قبيلة بائس بمولود مبتسم فانتابها الأرق. تجهّم وجه الأب والأم واشمأز المقربون حتى غشَّاهم الغمّ لوحات قاتمة. قرّر الجميع إبقاء الخبر سراً حتى لا ينتشر ويشمت المقربون قبل غيرهم. حاول الأب جاهداً كتم ابتسامة الوليد دون جدوى. كان الطفل يقابل تلك المحاولات بالضحك الهستيري مما أثار حفيظة الوالد تحت الحاح الأم التي اعتبرت الأمر اهانة لها اذ ستقاطعها نساء العائلة كونها أنجبت طفلاً مبتسماً لا يمت لهذه الأسرة العريقة بكل أنواع النكد والسخط. بل قد يتهمونها بما لا تحمد عقباه فما من ثغر في هذه العائلة يفتر عن بسمة يتيمة.
تباحث أفراد العائلة بأمر الوليد المبتسم الذي لم يولد مثله في بلاد الغم منذ أجيال، مذ أصبح الهم والغم راية النكد والنحس المنشودة في بلاد تعتبر الابتسام بدعة مصيرها عذاب أليم. قرر أفراد الأسرة التخلص من الطفل المبتسم بأي طريقة خوف الفضيحة بين قبائل الغم والنكد. غير أن رجل حكيم قال بأن التخلص من الطفل جريمة حرمها الله. فقالوا له بأن تاريخ العائلة النكدي الأصيل سيلوَّث بضحكة الطفل الفاضحة وقد تجرّ تبعات لا تحمد عقباها من السعادة والفرح المحرّمين في دولة الغم.
لم يبقَ الأمر سراً بين أفراد العائلة إذ وشت القابلة لشيخ القبيلة بهذا الوباء فجمع شيوخ القبائل لبحث هذا الأمر الجلل. تداول الجميع المشكلة بجدية قرار مصير حتى انبرى شيخ عجوز يتمتع بحاسة نكدية أصيلة متسائلاً عن مصير أبناء وبنات القبيلة كونهم سيعانون من شماتة واستهزاء شباب القبائل الأخرى ولن ترضى أية قبيلة بمصاهرة قبيلة موبوءة بشر الضحك والابتسام. بعد دراسة الأمر ومداولات مضاعفاته مع شيوخ القبائل الأخرى التي تعاطفت معهم في هذه الكارثة قرر شيخ القبيلة بضرورة قتل الطفل درءاً لوباء البهجة وفتنة الضحك.
أصر الحكيم على موقفه من تحريم التخلص من الوليد حتى ضاق به أهل القبيلة وكادوا أن يفتكوا به لولا أن زعيم القبيلة هب قائلاً: جريمة الطفل والحكيم سواء، ولكن حكيم القبيلة له رهط كبير قد يطالبون بدمه لذلك وجب نفيهم.
حكمت القبيلة على الحكيم والطفل بالنفي بعيداً عن دولة الغم ورمت بالحكيم العجوز والطفل السعيد إلى أطراف الغابة.
سار الحكيم بطفل يضحك ويضحك… حتى ابتسم الحكيم، ثم ضحكا وضحكا معاً ضحكات هستيرية تراقصت لها الغابة حتى ضحك كل من فيها فارتعد أهل القبيلة من اعصار الضحك خوف أن تمطر السماء فرحاً فيموتوا كمداً.
أحرقوا الغابة بمن فيها وباتوا عابسين متجهمين بسعادة لا توصف.
محمد قبال حرب