قف، تأمل
لا، ليس هذا ما أعنيه، بل قصدت أن أقول، قف شامخاً
بل أريد أن أقول، أيها المواطن الكريم
لا، ما أردت قول هذا أو ذاك، تباً لهذا القلم الجبان الذي يكتب ما يشاء، غير عابئ بأفكاري. لكنني سأتمرد وأقول ما أشاء قبل أن يجرني القلم إلى متاهات الكذب والرياء تحت عنوان الخوف والتقية.
“مُت أيها المواطن الزميل ولا تتمهل. مُت أيها العبد الذليل، المنافق الكاذب الدعي فأنت لا تستحق الحياة.”
آه كم ارتاح وجداني لأنني قلت الحقيقة في دعوة صادقة للتخلص من حالة الانفصام.
هل أكذب؟
صدقوني هذه المرة أكتب بجنون الشفافية، من بين أكوام القرف المتراكمة لسنوات طوال فوق قمامة وجودي، وجودكم أيها الخانعون الرازحون في وادي خيبات الأمل. خيبة أمل طغت على ما سبق، لم أعهدها حتى بعد في هزيمة الأيام الستة، والحرب الأهلية التي تألق أبطالها زعماء يقودوننا كقطيع ماعز، بل أكثر جنوناً من هزائم الخريف العربي ومجاهديه، أكثر عنفاً وقسوة من ورشة عمل البحرين التي سعت لبيع فلسطين والكبرياء والأخلاق في قالب الخيانة المقدسة تحت راية “صفعة العصر” التي استمرت بضعة أيام. فورشتنا مستمرة منذ عقود على طاولة قمار روادها يرثون ويورّثون.
كل شيء على طاولة القمار، الوطن، المواطن، القمامة والكهرباء، الكرامة والانسانية ولقمة عيش الفقراء المغمسة بالمذلة عند مجارير الدولة الموروثة من محتل كان أقل وحشية. طاولة القمار على امتداد الوطن الموسوم بالعروبة، اسماً لا فعلاً. قرف من هذا الوطن الذي يحكمه أرباب الحرب الأهلية بمعاونة تلاميذ القتل والسحل. أقصد القتل الناعم والسحل الأخلاقي الحائز على دستور طائفي ممهور بتواقيع رجال الدين الذين أجادوا في تقطيع الدين إلى وحدات متناحرة في رقعة شطرنح كان اسمها وطن. ماتت البيادق وعطش الحصان على أبواب القلاع المنهارة. بقي الوزيران برفقة الملكين الأبيض والأسود يتندرون بغباء البيادق. قرف حتى الغثيان من زمرة الحيتان البرمائية التي ابتلعت كل شيء وما زالت تطلب المزيد. استولت على مقدرات الحياة ودروب الممات. بل تملكوا دروب السماء السنية والشيعية المارونية والكاثوليكية… الدرزية والعلوية … الخ في صفقة تجاوزت “صفقة العهر”. صفقة أصبح من خلالها المواطن عبداً ونسله في محراب الزعيم الإله. محراب بُني على الدم والأوصال المقطعة ليبقى درساً لمن يسعى أن يسترد بقاياه.
انه زمن الجبابرة أيها السادة، زمن عبادة الأصنام غيها العبيد.
أليسوا هم الآلهة البديلة؟
بل هم كذلك، إياك أن تكذب رفيق رقعة الشطرنج. كل منّا له صنمه الخاص يقدم له سبل الطاعة ولو على مضض. كلنا يخاف الإله الصنم لأنه يملك أسباب الحياة بقوة وبطش. أما إله السماء فغفور رحيم.
هل يستطيع غير الاله الصنم توظيف الجاهلين التابعين الخانعين. هل يستطيع غيره إقصاء أصحاب العقول والمعرفة دون سبب يذكر؟ من قال لا، استحق غضبه، وصرفه إلى غيابات الضياع. الإله الصنم لا يحب إلا العبد الخانع الذليل.
من يستطيع أن يؤذيك بألف طريقة وطريقة سوى الإله الصنم. له الجاه والقوة بقوة القانون المطرز على مقاسه.هكذا علمونا، هكذا حرفوا التعريف بالله، جعلوه سادياً يعشق سفك الدماء. علمونا بأن الله يحب العبيد ويدخل المتمردين النار. والحاكم عندنا إله مصغّر يجلس على وضم يستلذ بالذبائح، والذبائح بشر. ويل لمن تمرد واستحق لقب زنديق يقدّم قربانا لزعيم الطائفة الذي ولد جائعاً نهماً ولم يشبع بعد. من تجرأ وقال لا، لن يحصل على وظيفة، لن يستحق شربة ماء نقية، وستؤخذ كامل الأسرة بجريرة تمرده. انتبه، تدبر الأمر وقدم القرابين استغفاراً واستجداء لتنفذ بجلدك من زبانية السلطان المقدس.
توضأ بدم أخيك، وافرد سجادة صلاتك ناحية بيت الزعيم، سيد رزقك، زعيم طائفتك واقم الصلاة. صلاة الاستجداء والاستعطاف مع دموع المذلة التي قد تجلب لك رضا الزعيم فيرمي لك بعض العظام. لكن عليك الاحتراس من داء الكلَب، ذاك الوباء الوطني الذي يجعلك تنهش لحم اخيك في الوطن. ألا تسمع أصوات النباح الطائفية والعشائرية والمناطقية مع كل قضمة في عظمة كانت لاخ لك في الانسانية.