
قبل أن أنسى – الحلقة 1
عندما تركت أميركا للعمل في المملكة العربية السعودية قررت أن أكتب كتابا عن تجربتي في أميركا ولكن وعدي لنفسي لم يتحقق بعد. والآن خلال وجودي في أميركا زائراً أولادي وأحفادي، متلقياً العلاج لحادث مرّ بي تذكرت وعدي،
لذلك سأحاول كتابة عدة مقالات قبل أن أنسى وفاء لوعد قطعته على نفسي
ببساطة وقبل الخوض في تجربتي أخبركم بأن أميركا ليست شيطاناً ليطاناً أو رجيماً وليست بلاد عنصرية ضد العرب عامة أو بلاد الشام خاصة. أميركا مؤلفة من 50 دولة يجمعها اتحاد فيدرالي. يعني بأن لديها 50 رئيس جمهورية وما هو مسموح هنا قد يكون ممنوعاً هناك. وما هو جريمة في ولاية ما قد لا يكون كذلك في أخرى. نعم هناك قوانين فيديرالية لكن بمعظمها يتعلق بالجيش والضرائب أما ما تبقى فيخضع لنظام ديمقراطي يبني قوانينه على الأكثرية وعلى ما يقرره الشعب، ومن يعرف استخدام القانون والنظام العام يحكم. لذلك أبدع اليهود في استغلال القانون لصالحهم واستغلوا طيبة الشعب الأميركي لخدمة مآربهم. لا ليس بطرق شيطانية ولا بالسحر أو النفاق، بل بالعلم والمعرفة والقانون وبُعد النظر في سياسة النفس الطويل التي سمحت لهم بتغيير القوانين الخارجية بما يتناسب ومصالح إسرائيل. نعم يمكننا عكس الأمر ولكن يحتاج الأمر إلى عمل جاد ومضني لعقود طويلة وليس بالتمني ودفع الرشاوي وشتم أميركا. أميركا ليست الحكومة، أميركا الشعب الذي ينتخب ويغير القوانين، أميركا الشعب الذي يدعم من يصل إلى قلبه. للأسف العرب لم يصلوا إلى هناك بعد. لن أدخل في مهاترات حول هذه النقاط بل سأقص حوادث عشتها ورأيتها منذ أن وطئت قدماي أرض الولايات المتحدة 1982 في ولاية كنتاكي حيث استغربت عندما سألني أحدهم من أين جئت فقلت من لبنان. نظر الرجل إلى زوجته وقال: إنه من المدينة التي تقع على الخط السريع 68
لم أشأ أن أبدو غبياً فضحكت وقلت نعم من هناك وكلي يقين بأن الرجل يهذي. عدت إلى البيت وبحثت في أطلس الولايات المتحدة فوجدت بأن هناك عدد كبير من المدن الأمريكية اسمها لبنان. حوادث أخرى كثيرة أثبتت لي طيبة هذا الشعب الذي يصدقك في أي شيء تقوله ليس سذاجة أو غباء بل لأنه صادق ولا يرى سبباً لتكذب عليه ليعرف “إنت إبن مين”. لذلك هو يبني معرفته عن شعب ما أو شخص ما بوسيلتين، ما يراه وما يسمعه. وحيث أن العرب متقوقعين على أنفسهم ويغيرون أسمائهم فإن الشعب الأميركي لا يسمع منهم شيئاً، بل ما يسمعه عنهم يتم عن طريق طرف ثالث ورابع… وعاشر. أهم هذه الأطراف هو الاعلام الذي سيطرت عليه الحركة اليهودية كما سيطرت على الاعلام لدعم حركات ومناهج الاعلام التي تخدم مصالحهم. لقد أدركوا أهمية تغيير القوانين لصالح أي فريق فاستثمروا في أولادهم وأموالهم في هذا المجال حتى أصبح سلك القضاء تحت سيطرتهم كما الاعلام تماماً. وهناك مهنة أخرى أهم وأخطر سأتكلم عنها في الحلقة التالية
بعد وصولي بعدة أشهر رأيت على التلفزيون برنامجاً أذهلني في ذلك الوقت “Cancer Drive” “. وهو برنامج يحدث مرة أو مرتين في السنة لجمع التبرعات لمرضى السرطان لمدة 24 ساعة على شاشة التلفزيون. كانت المرة الأولى التي اشاهد حدثاً كهذا فجلست استمع وأراقب بشغف. اتصالات مكثفة يتبرع من خلالها المشاهد بمبالغ تبدأ بعشرة دولارات إلى الآلاف، يذكرون خلالها اسم المتبرع ومبلغ التبرع. لمدة أربع ساعات لم أسمع اسماً عربيا أو إسلاميا واحداً فاعتراني الغضب خاصة أنه لم يكن باستطاعتي التبرع. حملت غضبي إلى المركز الإسلامي في مدينة كوينزي Quincy يوم الأحد التالي حيث يجتمع مسلمو الساحل الشمالي من ولاية ماساتشوستس Massachusetts للصلاة وتدريس الأطفال الدين واللغة العربية بطريقة أثبتت فشلها لمدة طويلة. تكلمت مع الشيخ طلال وعدد من المعتقين في أميركا وقلت: كان هناك برنامج كذا في يوم كذا ولم أسمع بأي اسم عربي يتبرع، إنها فرصتنا ليسمع بنا أهل أميركا بخبر انساني وليس اجرامي. اقترح أن نتبرع وبكثافة في أي برنامج تلفزيوني من هذا النوع لتصل الأسماء الإسلامية والعربية عن طريق انساني فيشعر أهل البلد بأننا منهم ومعهم. إنهم لا يسمعون بأسماء عبد الله وعمر وعلي وغير ذلك إلا بما يتعلق بجريمةز لذلك علينا أن نغير هذه النظرة ونخبرهم بأننا جزء من هذا المجتمع.
هب الجميع ضدي وكأنني كفرت فقالوا ” أميركا بلد الكفار ولا تجوز الصدقة على كافر”، “هل جئنا إلى هنا لنصرف على أميركا؟”، “كيف تقول بأننا جزء من بلد الكفار؟” “كيف تجرؤ على هذه الدعوة، أتريدهم أن يعرفوا أسمائنا العربية ليراقبوننا”. استمر النقاش لفترة طويلة انتهى بإنذاري بطريقة لبقة عن التوقف عن مثل هذه التفاهات. حاولت أن اشرح لهم بأنهم هربوا من بلادهم خوفاً من الطغيان وبأن أميركا تؤمن لهم العمل والأمن وتعلم أولادهم دون تمييز وبأن قوقعتهم ونظرتهم العدائية للبلد المضيف هو سبب بعدهم عنا وليس العكس.
لكن لا حياة لمن تنادي.
إلى اللقاء في حلقة أخرى
محمد إقبال حرب
احسنت محمد اقبال حرب، بارك الله بك، نشد على يديك، وآمل ان تواصل كتابتك وتعليقاتك وملاحظاتكن ستكون كنزا كبيرا للأنسانية وللأجيال التالية هنا في هذا المجتمع، سيأتي يوم يكون للعربي والمسلم صوت مسموع، بعد أن ينقرض هؤلاء المعقدين الذين اتوا من بلاد العرب بأفكار مشوهة
إعجابإعجاب
شكراً من القلب صديقي الكاتب القدير نازك ضرمة. فعلاً هؤلاء المعقدين هم الذين شوهوا صورة ابن بلاد الشام تحت راية العروبة وهم الذين شتتوا كلمة العرب في أميركا. نعم يمكن أن يكون صوتنا مسموعاً إذا ما فعلنا ما فعله اليهود والطليان والايرلنديين لإثبات وجودهم بأفكار انسانية نقية.
محبتي
إعجابإعجاب
لابد أن تكون إنسانا اولا ثم اعتنق ما شئت من الاديان
إعجابإعجاب
صدقت أستاذ أسامة فياض، الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوجود.
محبتي
إعجابإعجاب