الجورة… وما أدراك ما الجورة… نعمة مستورة
دخلت على الطبيب شاكياً عسر الهضم. حدّق بي للحظات وسألني: هل لديك سيارة؟
استغربت السؤال وأجبت بالإيجاب، ثم قلت: وما دخل السيارة بجهازي الهضمي؟
تجاوز سؤالي وسألني: هل تتفادى الجوَر “الحُفر” أثناء القيادة؟
قلت: طبعاً، من يريد أن يقع في جورة؟
قال: عليك اللعنة، أنت ككل اللبنانيين الذين لا يقدرون نِعَم الدولة الساهرة على صحتكم.
استفزني الطبيب فصرخت بوجهه: أأنت طبيب أم ميكانيكي؟ وما دخل الدولة بعسر الهضم؟
ردّ الطبيب غاضباً: أنتم لا تقدرون جهود الدولة في رعايتكم الصحية. فهي تعمل جاهدة لتحافظ على صحتكم ورشاقتكم وأنتم غارقون في عدم المبالاة. هل تعلم بأنك كلما مررت فوق جورة يرتج جسمك، وكلما ارتج جسمك تحركت أمعاؤك لتستفز الجهاز الهضمي الذي سيغنيك بعصاراته المعوية فتسهل عملية الهضم.
أخذني الذهول وقلت: ماذا؟ هل تتكلم بصورة جدية.
الطبيب: طبعاً، أتظن بأن الدولة تترك الحفر عبثاً؟
قلت: حتى لو كان كلامك صحيحاً فإن السيارة ستصاب بأعطال وهذا مكلف عدا عن إمكانية الإصابة بكسر أو ما شابه.
أخذ الطبيب نفساً عميقاً وقال: اسمعني جيداً، هل تعلم بأن عدد ورش تصليح العجلات والميكانيك في لبنان تتجاوز عددها في أي بلد؟ وهذا يعود بالطبع لجهود الدولة في إيجاد فرص عمل.
قلت: لا، ولا يهمني الأمر.
قال: بل يهمك، عليك أن تفهم. أولاً وكما شرحت لك هذه الحفر ذات نفع صحي، فهي تساعد على تحفيز الجهاز الهضمي، ومساعدة الحوامل على الولادة الطبيعية، كما تزيد من مهارة السائق. إضافة إلى زيادة الدورة الاقتصادية في الوطن. فكلما وقعت في حفرة ستغير العجلة، أو تصلح الأعطاب الأكبر في عمود التوازن أو ذراع التحكم وغير ذلك من رحمة تُبعد عنك الحسد. بل ستحتاج إلى سيارة نقل لتنقل سيارتك إلى الورشة، وقد تحتاج إلى تدخل طبي لتصلح عمودك الفقري، أو رقبتك. وربما كان معك بعض الركاب كذلك. انظر إلى الدورة الاقتصادية التي تنعش البلد. كم شخص سيستفيد من حادث بسيط؟
حاولت التدخل لإسكاته لكنه تابع: وعليك أن تعلم بأن أصحاب الورش هم من أهم الفنيين في العالم وهذا ما يحسدنا عليه العالم. ألا ترى بأننا نستورد زبالة السيارات ونعيدها إلى الطرقات تسرح وتمرح كالغزلان في طرقات تعج بحفر صنعتها الدولة للوقاية الصحية.
أقنعني هذا الطبيب بنظرته الثاقبة للأمور خاصة وهو يقول لي: يا بني لا تحتاج إلى علاج أو أشعة، خذ سيارتك ومررها فوق كل جورة تجدها حتى تنعم بالصحة والعافية وتساهم في الدورة الاقتصادية اللبنانية.
قلـت: يا دكتور، لكن بعض الطرقات بدون حُفر.
انتفض الطبيب وقال: أين؟ أين؟ عليك الاتصال بوازرة الاشغال فوراً واخبارهم بالأمر حتى يرسلوا فريق حفر الجـُور. صحة المواطن أهم شيء في هذا البلد والمساواة في تحطيم الطرقات عدالة.
لذلك أناشدكم أن تستمعوا بما تقدمه الدولة من خدمات صحية وبيئية واقتصادية وأن تتصلوا بوزارة الأشغال في حال اكتشفتم طريقاً سليماً قام بإنشائه مهندس شريف لعين.
محمد إقبال حرب
لقد فتحت أعيننا على نعم لا تعد ولا تحصى
إعجابإعجاب
ما أكثر النعم أستاذ عبد الله… وما أقل الشكر
محبتي
إعجابإعجاب