مقدمة لسيرة ذاتية بقلم د.رمضان الحضري

مقدمة لسيرة ذاتية

********

لن أشكر من سيقرأ كلماتي هذه ، فهي ثرثرة بلاوعي ، وأنا أكتبها

كالجرذ القابع في ركن الغرفة المتربة ، هل يعتني أحد بجرذ حينما

يفكر ، أرى سحابات الفكر تمطر أمامي لتملأ النيل بموسيقى حزينة

بينما يقف أبناء مصر على الضفتين بأجساد هزيلة وأذرع متراخية ،

قلبي أصابه العطب ، والخرس يحتل جميع حلقي ، وأرى شقوقا

متعددة في أرجل الناس وشقوقا في السكك .

ثمة أتوبيسات مكيفة تقل أناسا يزررون قمصهم حتى الزرار الأخير ،

إنهم محترمون حقا ، فلون رابطة العنق مناسب جدا للون القميص

والبدلة الرسمية ، يثيرون التراب فيتركهم ويأتي علينا ، كل ميسر

لما خلق له .

الناس في بلادي مجموعة من السمكات الضريرة ، يخافون من

الفك المفترس ، حتى الشمس التي كانت تسقط على وجه الملك

وكان يعبدها الملوك سابقا ، ارتدت ثوباً أحمر ، وأراها الآن تمشي

تحت الماء ، وصدرها كبستان من العنب الأحمر .

كلما أفتح طريقا كي أتحسس من أنا كمصري أو عربي أو إنساني

تنبجس منه آلاف الطرق ، فأجدني بألف فم أخرس وبألف جرح غائر ،

من الذي يستفيد بكل هذا العماء المتساقط على الأرض ؟

ومن المستفيد بهذا العمى في عقولنا ؟ .

أفتش في عقول من أعرفهم عن قرب ، وأحبهم حد السموات والجنون

فلا أجد سوى فحم وتراب يملأ التماثيل .

لاحياة لي يمكنني أن أستمتع بها سوى حياتي كصرصار في أدراج

الكتب ، يحيا كسكير يأكل الحكايات ، كجندي مخلص للوطن .

أستقبح حالتي وأنا أرفع علم الدولة الرسمي ، وأفتش في أرشيف

الوطن ، لأكتشف أن الحياة ليست حياة .

فإذا فاض الهم في ثيابي أبدلها لأخرج للشوارع البردانة النائمة ،

كلها مدججة بالوساوس ، فأراني كالطائر الأعمى يبحث عن هدوء في

العتمة ، ويبتغي الأمان في البرية المعطوبة ، أو في نخلة تشبه فخذ

امرأة محبوكة جوار الجبل .

يااااااااااه ، كم أنا سفيه يبحث عن العلم في بلاد لا مدارس فيها

وطلابها يجتمعون كمجموعة من الجثث ، حول امرأة صينية تبيع

الهواتف النقالة ، فتجلس على رصيفهم ، وهم يجلسون على بعض

الحجارة التي خلعوها من الرصيف ، أيام الثورة .

أنا وحدي الذي يحتمي من الرعب بالخوف ، وأحتمي من الحزن بالهم

وأحتمي من العجز بالكسل ، وأحتمي من الفقر بكثرة الجوع .

المثقفون الرسميون في الدولة يقرأون الخطة الجديدة ، لايجيدون

القراءة ، لأنهم لم يحضروا دروس محو الأمية كاملة ، ولكنهم حصلوا

على الشهادة لحاجة الوزارة لهم ، ليكونوا قوادين نطأطيء لهم

الرأس ، ولتملأ وجوههم وأكراشهم المنتفخة عزا ووجاهة شاشات

القنوات الخاصة والحكومية .

والخفافيش من أهل الأدب يثيرون حفيظة الليل بحديثهم عن الحب

والسلام ، ومعظمهم جوعى ، ولا ينصت لهم سوى محلات الأغذية

الفاسدة ، حيث إن أرواحهم تحلق فوق الأطباق .

جمجمتي المخوخة تقرأ عن رجال الأعمال ، الذين يحذرون من انقراض

الأغبياء ، وفئران التجارب ، لموت الخلايا الجذعية فيهم .

وهم يحتاجون لصحفي ينزف من عيونه دمعات بالأجر ، ولشاعر يكتب

قصائد الرثاء ، ولبعض علب الصفيح كي تصل أصواتهم الحنونة إلى

سكان العشوائيات ، وهم يتحدثون عن العيش والملح والسجائر

المفروطة والملفوفة ، ويشتمون CIA التي لم ترسل لهم القمح

ليبيعوه لهؤلاء السكان بأضعاف مضاعفة .

أنتظر أن تطاردني الكوابيس فيأمر أحد السفهاء أو الوزراء أو رجال

الأعمال بوضع وجهي في مراحيض طائرته ، ويلقيني على الحدود .

فأهبط في حديقة الموتى لأكون وحدي على سرير وبجوار الفاجرة

التي يسمونها الحرية .

حينما أريد أن أبتسم أفتح قناة دينية اسمها قناة اللحمة / الرحمة ،

المهم أنني أعرف رقمها على الشاشة ، وأجلس كالأصم الذي يبحث

عن نغمة صحيحة في سيمفونية الخنازير العالمية .

الرجل يرفض الخلاعة والمياعة ، بينما يتحدث عن السحور والنحور

ويرفض التمسك بالدنيا ، ويأمرنا أن نرفق بالبراغيث والقمل إذا

كان لم يبلغ رشده ، ويأمرنا أن نقدم الصدقة ليدفعها هو للمساكين

فهو من يعرف من المسكين ، وأن نبني مسجدا لندخل الجنة ،

وجيبي المملوء بالفراغ يناديني لكي أتصدق .

الخلاصة :

******

كنت أظن أنني ألف البدر حول عنقي في بلادي

لكنني لم أعلم بموت البدر إلا اليوم .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s