مع أن كرة القدم لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة بناء الوطن أو اللحاق بركب العولمة المصرّة على تهميش مزارع الشرق الأوسط إلا أنها حازت على اهتمام غير مسبوق من شعوب المنطقة العربية فلم يبق كبير أو صغير وحتى “المقمط بالسرير” إلا واتخذ فريقاً يناصره، ومتى هوى فريقه استبدله بغيره دون أسف. وهكذا تم إقصاء جميع الفرق العربية من حسابات العرب العاربة والمستعربة والمستكلبة على حد سواء. لا ضير في ذلك لولا أن المواطن العربي مهيأ بل ومقتنع بأن فريقه العربي ما هو إلا وجود وهمي لا يسمن ولا يغني من جوع مثله كمثل كل الأحلام التي تحطمت على صخرة الفشل بدءاً من تحرير فلسطين وحتى مونديال موسكو.
كان الاهتمام بحوادث ومباريات ونوادر المونديال طاغياً على كل مرافق الحياة العربية وعلى جميع المستويات. مع هذا التفرغ المرعب لمشاهدة عشرات المباريات في بلاد تنوء تحت خط الفقر تلهب شعوبها سياط المستبدين الذين يحاربون شعوبهم في أدنى متطلبات الحياة لا بد من التساؤل عن الرابط القوي بين كرة القدم والشعوب العربية.
لا بد من التمحيص في خوابي العقل الباطن وتحليل الروابط التي تجمع بين كرة القدم والإنسان العربي. لا بد أن يكون هناك أسباب أعمق مما يخفي الواقع تجمع بين الرأس العربي وكرة القدم رغم استدارة كل منهما. فالكرة رغم شهرتها ما هي إلا كيان منفوخ يتخذها اللاعبون وسيلة تنافس وتسلية، تتقاذفها أقدام اللاعبين ركلاً ورفساً، وتتناطحها الرؤوس دون هوادة غير عابئة بكينونة الكرة بحد ذاتها. ومتى أصيبت الكرة بتلف ما ترمى في القمامة دون الأسف عليها إذ أن هناك الاف الكرات تنتظر دورها للاستمتاع بالركل والرفس لتموت شهيدة في سبيل لاعب من بني البشر.
حالها كحال المواطن العربي الذي ينال ما لا يحصى من الركل والرفس المتتابعين والمتواليين على مدار عمره مهما طال بصبرٍ لا يطيقه حمار جبلي صبور. المواطن اللبناني خير مثال على مقاربته مع “الفوتبول” كما يحلو للبنانيين تسميته. ففي لبنان عدة أندية في تنافس دائم على مونديال الحكم الذي لا ينتهي. أندية دينية وطائفية، حزبية وعشائرية وأندية لم يتم تصنيفها بعد. هذه الأندية تتقاذف المواطن لبناني بكل وسيلة متاحة بعيداً عن شرعيتها وانسانيتها، كرات بألف لون ولون، ألوان ولد بها المواطن، وألوان صبغته بها طائفته، حزبه أو عشيرته. بل هناك كرات كثيرة متلونة كالحرباء في كل ملعب، كرات يعتز بها زعيم الطائفة ومسؤول الحزب كونها تتسلل هدفاً بيِّناً في شباك “ابن الكلب” المنافس على الطرف الآخر.
أهداف كثيرة تسجل يومياً في كيان المواطن اللبناني من مواطن آخر عينه الزعيم هدافاً يومياً يقتنص أعداء الطائفة بهدف سام يقضي على انسانيته. تسدد عدة أهداف في شباك المواطن اللبناني في اليوم الواحد دون أن يسمح له بالاعتراض الفعلي، فهدف انتهاك قوانين السير التي ينتهكها كل من يتمتع بغطاء حزبي أو ديني أو عشائري في حق أي مواطن “عادي” إلى الرشاوى التي عليه أن يدفعها ليحصل على أي خدمة حكومية أو غير حكومية. ناهيك عن هدف انقطاع الكهرباء المستمر الذي يجبر المواطن على صرف مأكله ومشربه لتأمين كهرباء من عصابات منظمة تنافس عصابات تأمين الماء المسروق. والهدف الأكبر الذي تسجله السلطة هو هدف التعليم الحكومي السيىء الذي يقتص نصف المرتب إضافة إلى هدف الوظيفة التي تخضع لعدة شروط أهمها الطائفة وآخرها شهادتك وخبرتك. ففي التنافس على الوظائف في لبنان عليك أن تعرف الوظيفة المناسبة لطائفتك، وعليك أن تسترضي زعيم الطائفة الديني والسياسي قبل أن تقدم لهم ما يفتح شهية قبول تنافسك على تلك الوظيفة حتى ولو كانت مؤهلاتك مسروقة. ولا ننسى ضريبة القيمة المضافة على سلع سعرها أضعاف قيمتها، يستوردها لص لم يدفع الضرائب بل تسلل بها برشوة نالها مسؤول عليه غطاء مقدس من مسؤول ينادم الشيطان صبحاً ومساء. ومن يعترض على أي هدف من أهداف الدولة المصوَّبة على شباك كينونته التقطه حرس الزعيم ورموا به في مجمع حاويات القمامة حيث أن أكوامها تكفي لقتله مرضاً أو قرضاً من فئران الحكم وأصحاب الحول والقوة ناهيك عن الكلاب الشرسة التي تحرس شباك ملعب الزبالة. كرات البشر لا قيمة لها في لبنان ككل كرات-البشر في أندية حكومات وعصابات العالم العربي التي تتزعمها مافيات ديمقراطية حيناً وديكتاتورية أحياناً، أندية تتنافس دورياً على مونديال السلطة، تتقاذف رؤوس المواطنين، تركلهم في ضربات التسديد والجزاء، كما ترفسهم في التمرير، وترميهم في حاويات القمامة بعد إعلان النتائج التي تهلل لها باقي الكرات التي لم تحظَ بشرف الفناء في سبيل الزعيم المقدس.
من هنا نجد بأن المواطن العربي يرى في كرة القدم توأم حياة ورفيقة مصير. كلاهما يُركل ويُرفس دون احتجاج، كلاهما تُرفع الشعارات باسمه حتى ينتهي أمرهما في حاوية قمامة يعشقها الذباب بأنواعه وألوانه كما تعشقها فئران السلطة وصراصيرها… وتبدأ المباريات
الجماهير وطن… الوطن ملعب كبير… والشباك قرضتها فئران المنافسين.
الكرة رؤوس يانعة حان قطفاها في ملعب السلطة بضربة جزاء
من يركل الكرة؟
من يفخر بتكسير رأس المواطن العنيد؟
تجمهر الهدافون… أطلق الحكم الصفارة … والركلة جماعية
هدف… هدف في كينونة المواطنين
تحققت الأماني وسُدِّد هدف آخر في قلب الوطن بأقدام وطنية تنتعل أحذية ذات سمات شيطانية
الهدف القذر يفرح الجماهير التي لم يأتِ دور ركلها بعد
غداً مباراة أخرى
محمد إقبال حرب
كاتب عربي عظيم ومفكر لبناني قويم وضمير أمة يقظ وعقل مجتمع راق ، هذا السرد الواقعي في حركة نهره والشعري في حلمه يثير حفظية البراكين داخل نفس الإنسان العربي الذي يملك ولو بعض وعي .
شكرا لكم كاتبنا وأديبنا العظيم الغالي محمد بك إقبال حرب
إعجابLiked by 1 person
أخي وصديقي الأديب والناقد الغارق في هموم الوطن والإنسان د.رمضان الحضري
أشكرك على هذه الشهادة التي أعتز بها وعسى أن يكون لحرفنا وحرفكم ما يثير الحفيظة في نفوس النيام فيستيقظن من سبات العبودية.
دمت حراً
إعجابإعجاب
حدث ولا حرج للاسف الشديد هذا من فعل وتخطيط الخونه فهل تظن يامحمد يااخى الفاضل ان كلامك سيجد من يسمعه تكلمنا وشجبنا وامتعضنا وصرخنا باعلى صوت ولا حياه لمن تنادى ومحضرين شنطنا كمان علشان من يتكلم الان بيبات فى التخشيبه هؤلاء هم العرب فبدل مايفكراويتكلم بيشجع كره القدم
إعجابإعجاب