لا عليك يا صديقي

لا عليك يا صديقي
لا عليك من الخوف بعد الآن يا صديقي فلم يعد هنالك حضيض أدنى. نحن في الدرك الأسفل من الحياة. ها نحن في حضيضنا نأكل فضلات الكوكب الملوثة ممزوجة ببقايا بشر كانوا ينبضون بالحياة لعهد قريب. تآخينا مع الأعاصير وزوابع الحقد والكراهية فيما تسربت المياه الآسنة إلى عمق أسِرَّتِنا فنمنا في سبات دهرٍ حقير نتنفس هواء ترتع فيه أوبئة الذلِّ والمهانة… نعم لا زلنا أحياء.
لا عليك يا صديقي، لا يهمنا نوعية الحياة، لا تحفل بمقولة “الحياة وقفة عز فقط” فقد مر يوم آخر دون أن يطال عبوديتنا تفجير تكفيري أو رصاص مأجور حقير. بل عليك أن تفرح لشح الطعام الذي غدونا بفضله رشيقي القوام، وشعرنا بأننا أحياء يوم غمرت المياه دارنا ودلف المطر من سقف صفائح التنك المخرمة. ما أجمل الطبيعة يا صديقي عندما نتآخى معها ونعيش في خضم أعاصيرها نستمع إلى اصطكاك الأسنان ورجفة البرد تراقص الابدان. أخيرا اكتشفنا بأننا ما زلنا نحتفظ ببقايا بشريتنا رغم ما يزعم من دمَّر بيوتنا وهتك أعراضنا من مزَّق الوطن إلى فُرَم تتناهشها قططٌ جرباء وكلاب مسعورة.
أتعرف لماذا يا صديقي؟
لأننا جبناء… جبناء…. نخاف التمرد والموت أحرارا. لأننا ثـَمَّنا الحياة بأسعار النخاسين، واعتبرنا قيم التجار قيم الحياة فبعنا أوطاننا بخيانة محسوبة، بعنا مناقبنا للدجالين والمنافقين وسرنا في ركب العبودية نسعى خلف جزرة الحاكم غير مكترثين بسوطه الذي يلهب مؤخراتنا حتى أضحينا حيوانات في مزرعة ادَّعى صاحبها السلطان فسجدنا له سعداء بعبودية توارثناها حتى باعنا في سوق النخاسة. نعم نحن جبناء يا صديقي لأننا لم نتمرد على صاحب المزرعة ونأخذ نصيبنا من غلَّة الحياة التي فلحنا أرضها بمحراث عمرنا وزرعناها حبوب أملنا ورويناها دموعنا المقدسة. نعم مقدسة يا صديق العبودية. ألم نذرفها في فصل الاستعباد، وروينا بها ربيع الانهزام الذي أزهر سياط ذلنا فامتشقها السيد من لحاء أجسادنا حتى نفلح سهول سطوته بقية عمرنا. فلحناها ولم نتمرد، لم نصرخ في وجه المستبد البشوش. لأننا نخاف أن يجلدنا بسوطه كما جلد آبائنا في سجونه. نخاف أن يهتك عرضنا كما فعل بأمهاتنا من سبقه. بل نخاف أن نطالب بما يبقينا على قيد الحياة خوفاً من سلبنا بقاياها.
أتدري ماهية البقايا يا صديقي؟
هل تعرف سر بقايا وجودنا؟
إنها بقايا حثالة بشرية أفرزناها كراهيةً وبؤساً ضد بعضنا البعض. كراهية ألهبها السلطان بيننا فكره الجار جاره لدينه، ولعن كلٌ منهما أصل وفصل جاره بفخر العنصرية وحمية القبلية فسقطت ألوان الرحمة من طيف وجودنا. علمني سيدي الحاكم أن أتوضأ بدم جارٍ تربيت معه لأن الحاكم وذوي اللحى صَنَّفوه كافراً.
من أنا لأرفض فتاوي الحاكم ورجال الدين الذين يدعون صلتهم بالله ويفخرون بتملكهم مفاتيح السماء؟
أما آن الأوان لنثور ونتحرر عقلاً وفكراً وجسداً من نير العبودية؟
لا تخف يا صديقي من الموت لأنك لا تعرف معنى الحياة. لا تخف من نار جهنم التي بشروك بها لأنها أرحم من أفكارٍ شيطانية طفيلية لا تحيا إلا في أجساد مهزومة، عفنة تتسم بالجبن مثلنا تماماً.
يا صديقي من يعش عبداً في أرض ممزقة يتناحر أبناؤها بسلاح الغرباء متخذين رأي السفهاء دليلاً لن يجد إلى الكرامة سبيلاً.
خلاصنا يا صديقي بالتمرد على أنفسنا، جهلنا، تقاعسنا. بثورة الفكر على موروثات موشومة بقدسية كاذبة يهتف بها كهنة غرباء وهم يجزون رقابنا قرابين شيطانهم على مذبح مذلتنا.
مت يا صديقي حراً قبل أن ترى نفسك حيواناً سُلبت انسانيته برضاه.
محمد إقبال حرب
نُشرت في صحيفة المداد 1ك2 2017 صفحة 30
file:///C:/Users/SpeCtre/Desktop/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8
%A7%D8%AF%20%D9%832%202016.pdf

 

 

3 comments

    1. اعدت بحروفك هذه وقلمك الرصين كثيرآ من المجد لذاتك العظيمة والتي اعجز عن كل الإجابات والردود مهما بلغت من المديح لن تصل لنبض قلمك في هذا المقال الذي يجب ان يُعلق على جبين التاريخ
      يكفينا من تاريخنا لو شخصآ يحمل فكرك وانسانيتك المتمثلة في حروفك
      من الاعماق شكرا لقلمك ولفكرك الراقي
      ابتسام العبود

      Liked by 1 person

اترك تعليقًا