أرقني صراع البشر بأعاصير الكراهية وانتزاع النواميس من كينونة الوجود حتى سقطت قدسيتها وتباهى أصحاب الفكر الظلامي برفع رايات الكهانة وبيارق السياسة فاستساغوا القتل واستعباد أبناء البشر حتى قصموا أواصر الإنسانية وهتكوا أعرفها. سقطت رايات وجودنا عند بؤر الإرهاب وساد من تقهقر إلى سحيق الماضي بوحشية الماضي وذكاء الحاضر.
هربت بما أملك من فكر وجسد إلى أطراف القارَّة واتخذت حيز الفراغ الحضاري موطناً. شدني الزمن إلى ساعة تجلٍ لم أكن أنشدها في لحظة منسية. جلست على بساط رملي فتمايل تحت جسدي حتى أصبح فراشاً يربطني بروح الأرض فشعرت بجذوري تمتد إلى عمق الطبيعة تروي عطشها من كينونة الوجود. خلفي نتوء صخري هائل يتجلى بألوان قوس قزح يقابله امتداد بحر لا تكل أمواجه عن الثرثرة هديراً. تدفقت إلى جسدي روافد الماضي متسارعة بحكاية التكوين. ليس تكويني فحسب، فما أنا إلا بعض ضئيل من وجود لا ينتهي.
شيء ما بدأ يشد هذه البقعة عن أمها، يسلخها عنوة فارتعدت الطبيعة وثار منها بركان هائل صارخاً صرخة مدوية يتصدع منها بنيان المعمورة. أسرعت إلى فوهة البركان محاولاً تهدئة غضبه دون جدوى، بل دفعني ذاك البركان بقوة ناحية ذاك النتوء الذي استقبلني بحنان. استمرت ثورة البركان ذارفة حممه على بساط الطبيعة التي أرقت بياته الأزلي الخامد فكاد أن يقضي على بقاياي التي نجت من رعب وخوف. أرسلت صفيري إلى البحر مستنجداً فأسرع ذارفاً دموع حزنه أمواجاً عاتية تملأ فجوات الصدع علَّ جراح البركان تندمل.
لكن البحر الخائف أرعد وأزبد تحت وطأة الحمم فارتد خائباً وتخلى عن شعبه طارداً الأسماك إلى بساط الجحيم لينجو بنفسه كما يفعل كل مستبد طاغية. خفت على الأسماك التي استنجدت بي كما أعشاش العصافير فوق ذاك النتوء. لمحت غيوماً متسارعة فابتهلت إلى صاحب القدرة أن يمطرها على فوهة البركان الثائر ليطفئ جماحه القاتل وينقذ مخلوقاته من فناء. غضبت السماء من تهوري بتجاوزها وأمرت ملك الغيوم سحب قواته من سماء البركان لتبقيه مشتعلاً فيستمتع شيطان الكراهية بموتي وفناء العصافير والأسماك. لكنني قفزت فوق غيمة متخلفة عن ركب المتراجعين إلى سماء المزن المتوارية. أخذتها عنوة بقوة إيماني فوق فوهة البركان الثائر لهباً وأحدثت فيها ثقباً أصاب البركان وأطفاله من الحمم بما يكرهون من برد ونعيم فخمد جنون الحرارة رويداً رويداً وتكومت افرازاته بعضها فوق بعض يتيمة ثكلى.
صرخ الإله “قف” فوقفت حيث أنا.
صرخ من في السماء سائلاً: أأنت حارس جنة عدن؟
قلت: بل إنسان عاش التكوين فخاف اعاثة الفساد.
قال: كن رفيق البراكين في قلوب الطغاة لتنجو.
قلت: بل أعدني سيرتي الأولى.
قال: هيهات أن تعود بشراً.
قلت: لا أذكر بشريتي.
ضحكت السماء وتراقصت الأسماك وذرف البركان حمماً باردة.
محمد إقبال حرب
سلمت أديبنا القدير، سرد جميل لواقع مرير، دمت متألقاً.
إعجابLiked by 1 person
كل الشكر والتقدير أستاذ لطيف سالم
للأسف واقعنا المرير لا يوحي إلا حزناً وكآبة
تحياتي
إعجابإعجاب
جامده جدا يامحمد وفى نفس الوقت مبكيه حد عنان السماء ماذا نفعل اليس هناك حل ……………نحن فى انتظار رحمه ربنا بينا
إعجابLiked by 1 person
الحل في داخلنا… لكننا سجناه وكبلناه راضين بالمذلة
عندما نقرر بأننا ولدنا أحرارا وننطلق سنتغير
مساك أمل أختي الغالية د.سحر فرج
إعجابإعجاب
وكأني بك تصف حالا نحياه وتحياه هذه الامة وقد اصبحنا على هامش الحياة نقتات الموت كل يوم
ليتنا نعود الى عالم البشر وينتهي هذا العالم الوحشي بكل مكوناته
إعجابLiked by 1 person
كيف سينتهي والذئاب تنافس الضباع نتانة ووحشية.
ما عاد أحدنا يذكر بشريته ليعود إليها، أجيال من العبودية طمست هوية الإنسان وسحقت بشريته فأصبح حيواناً يقاتا بعضه بعضاً.
وبكت السماء
باقات شكر وتقدير لعمق قراءتك صديقي الشاعر القدير
إعجابإعجاب
ثورة جنون لا تمحيها الا اهازيج المطر
رياح عاصفة هوجاء تقتلع المنازل من جذورها
وطغات تحمل سياط التسلط تطارد الضعفاء بلحظة ضعف تجرجر ذيول الخيبة من تسلط الاقوياء نادمين من توكيلهم وانتخابهم كممثلين عنهم ولكن
اعماهم حب المال فتناسوا الام البشر
وغرفوا حتى اعياهم التعب
فأورثوا ممالكهم لورثتهم الشرعيون
والمسيرة مستمرة الى يوم الدين
إعجابLiked by 1 person
عصر الطغاة طال به الأمد… والأحرار بين أصفاد وكمد. لا بد للزلزال أن يتفجر ولا بد للحق أن يظهر.
شكري وتقديري صديقي الشاعر أبو وائل
إعجابإعجاب