حدَّثنا راعي بعير

 مر بنا راعي بعير أشعث أغبر نحيل في ليلة ليلاء شحت بنور السماء فجلس بيننا على استحياء إلى أن تملكه جِنيٌ من بني طرطقوش فهاج وماج حتى لطَمْ وصرعه الألم. سألناه عما به من ضرر فما باح ولا اشتكى حتى ناح وبكى: يا سادة يا كرام، وافاني سيدي طرطقوش بخبر ذو شجن استقاه من عميق الزمن عن مستقبل يبشِّر بالعدم.

صدمتنا المقالة فصاح صائحنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وقلت: ماذا بعد أيها الوغد؟

صرخ آه بعد آه ثم باح بالمحظور وصدح بالمستور:

سأحدثكم عن مستقبل هذه الأمة، حيث موعدها الفناء، يوم يتهافت عليها البلاء من نفوس خسيسة تعشق الخيانة والدسيسة، يكتنفها الشر والغدر فتغدو وضيعة المقام بين الأمم حتى تحترق بزمهرير العدم فتتقاذفها الأمم خانعة ذليلة.

بكينا بكاء مراً قبل أن يبوح راعي البعير ببقية الخبر في ادعاء مريب لا يسر عدو أو حبيب عن زمن ما ما بعد الرسالة، عصر اسماه عصر المذلَّة والفناء حيث لا ينفع ندب أو بكاء. تابع راعي البعير بصوت عليل: حينها تسقط نخوة العرب عند اعتاب المقدسات، ويهلل الحكام على وطن قتلوه قتلاً جماعياً حتى تسقط الدِّيات. يومها يحكم الأمة أرذالها، زعمائها نعالها، يتفاخرون بالغدر والخيانة فيما تئن بلادهم بالسجناء وتزدان شوارعهم بالقتل والبلاء فتختلط الأنهار بالأشلاء والدماء. شعوب تجرها البغال، تُساق بالنعال، نسائهم سبايا يتخذهم العدو مطايا. يا ويلتي من أطفالهم التائهين كالعنترة عند كل مؤخرة يُضربون بالسياط حتى الممات فما تجد لهم نصيرا.

أخذتنا الريبة من أحاديث غريبة، رددناها عليه شاتمين. فلطم أخرى وانتحب وقال بأن ما يراه مكتوب على قدر محجوب خوف الفتن من زمن تتقاذفه المحن. سيبيع حكام الديار أولى القبلتين ويتناسون ثانيها. سيحجون إلى مكان بعيد حيث يسجدون كالعبيد أمام مذبح الطغاة طالبين الغفران والصفح عما كان. غير حافلين بالضحايا والقرابين من بني بجدتهم أو معتنقي ديانتهم.   في ذاك الزمن العسير يتقاتل العباد وتتجلى الأحقاد تهجيراً وتكفيراً فيبيد بعضهم بعضاً ويعدُّون بقاياهم عداً. لن تجد منهم من يكترث لبشر أو دين حيث يصبح الكل إماء تلعنهم السماء في عصر السلاطين الذين لا يحفلون بدنيا ودين. دينهم شهوات وعربدة وديدنهم غدر وخيانة، يبيعون أخلاقهم دون خجل أو عناء. ملوك يتقاتلون على نصيبهم من أجساد المواطنين وتراب الوطن على طاولة نخاسي الأمم. تراهم في الزحام ينزفون الثروات بين الغواني والملذات، تقتنصهم غانية لا تعرف ربها، أسكرتهم فسجدوا لكعبها وفرجها. في زمن الانحطاط المتردي سيشرب الخونة دماء الأحرار نشوة انتصار، يتوضؤون بدماء قتلاهم في دار العهر ليصلوا صلاة الفجر بعد الانتصار. تُقرع الأقداح وتقام الأفراح لانتصار حلفهم الشيطاني الممهور بصفقات الخيانة مع من وطئهم وأوطانهم على حدٍ سواء.

صرخ منا صارخ غيور: أيها الكاذب الضلِّيل، ألن يكون في أمتنا بقايا رجال؟ ما تقوله يا هذا محالٌ محال.

تأوه بمرارة وانتحب: بقية الرجال قلَّة، ترهقها مذلَّة، يتكالب عليهم كل ذي ناب فتنهشهم ضباع وكلاب حتى يأذن الرحمن وتقوم قيامة آخر الزمان.

غشتنا سحابة ذهول أمام هذا الحديث الشطط فضربناه ضرباً مبرحاً وقلنا له قولاً وقيحاً ثم ضرباه حتى أدميناه  وإلى الآخرة أرسلناه خوف أن نحيا عمراً مديداً ونرى ما قاله سديداً. فما قاله لا يحيد عن الحقيقة إذ نحن زرَّاع .الفتن التي ستثمر بعد زمن

محمد إقبال حرب

 

4 comments

  1. قصة شعرية واقعية تحاكي واقع بلدان العرب المشتت تلقاء عبودية الحكام وضعفهم
    لكن املنا بالاحرار كبير وبنضال الشعوب

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s