مئات القتلى في مسجد الروضة في مصر، وآلاف القتلى قبل ذلك في مصر والعراق إلى سوريا ولبنان واليمن وليبيا… والقائمة لا تنتهي من عد الأشلاء وإيقاف سفك الدماء. القاتل والمقتول أبناء بلد واحد أو أمة واحدة، لذلك نرى الخسارة مزدوجة.
يسارع الحكام وشعوبهم إلى تلطيف آلام المجزرة بلعن الإرهاب وأربابه وبإضفاء لقب شهيد على كل قتيل لإسكات الجماهير. كما يسارع أصحاب الفتاوي بتزكية القتلى إلى جنان عرضها السماوات والأرض كي يفرح أبناء القتيل بأن قتيلهم أصبح في الجنة.
كما يسارع من يتبنى العمليات الاجرامية بترسيم القاتلين بوسام الشهداء كذلك وبتأكيدهم على أن القتَلة يتناولون الغذاء مع رسول الله صل الله عليه وسلم قبل الفتك بالحور العين قبلاً واحتضانا.
تسكت الجماهير بعد العزاء.
يعود كل شيء إلى حالته الطبيعية بعد أيام من التهديد والوعيد وغارات واهية على جبال وعرة وأماكن حفراء نفراء.
وفجأة تعاد الكرَّة بنفس الوتيرة، يهم أرباب الارهاب على مسجد أو كنيسة، في مجمع سكني أو سوق شعبي… وتتناثر الأشلاء بعد سفك دماء الأبرياء.
من يهتم؟
من يمسك برأس الأفعى ويكسر بيضها؟
لا أحد… ما أكثر الأفاعي وما أكثر بيضها في رحاب أمة نائمة لا يوقظها فحيح الأفاعي. ولا تعمل على ترياق يُشفي من سم الأفاعي البشرية؟
اتهامات متبادلة من هنا وهناك، فتاوي تكفير من الطرفين… أبواق تلفزة ومنابر إذاعية أفَّاقة لا تغني ولا تسمن من جوع بل تزيد الكراهية وتصب الزيت على نار الفتن. يكثر التخمين والاتهام، اللعن والسباب والدعاء على الإرهاب لا يُستجاب.
لا يهم دين وعرق من قُتل أو من قَتل، فأي إنسان يستحق الحياة بعيدا عن أي عنصرية. ومن قتل أي إنسان من أي دين أو عرق يستطيع قتل أي كان دون الشعور بالذنب. ومن لا يحترم حياته لا يحترم حياة الآخرين ومن يطلب الموت تحت أي شعار ما هو إلا إنسان فاشل بكل معنى الكلمة. إنسان فقد أمل الدنيا فتمسك بأمل واه رسمه عقل اجرامي. نتهم الإرهابي بفظاعة ما ارتكب ونلعن كل ما فعل وذلك حق.
لكننا نهرب من مسؤوليتنا وتقصيرنا في تفادي الجريمة فالأعذار ليست بذات أهمية بعد فقد الأبرياء، المهم هو البحث في أسباب تبني الشباب منطق الإرهاب وتخليهم عن حياتهم وحياة أبناء وطنهم كي نتفادى الإرهاب في المستقبل. الحقيقة هو أننا نغطي فشلنا ببناء وطن باتهام الإرهابي بكل ما أوتينا من أعذار. فهذا الإنسان أصبح ارهابياً نتيجة تربيتنا الفاشلة له، في البيت أو المدرسة، في المعابد أو التجمعات الاجتماعية. هذا الإرهابي كان مواطناً عادياً قبل تبني الفكر الارهابي، كان لبنة طرية لم يشكلها الوطن بمدارسه ومناهجه تشكيلاً صحيحاً وطنياً أو دينياً أو اجتماعياً فتلقفه عقل ارهابي مدبر وشكله كما يشاء. شكَّله ليكره نفسه وأهله ووطنه فأضحى سلاحاً جاهزاً للقتل بلذة الفوز والانتقام. فقتل ودمَّر ببهجة الفوز على ما لا يدري.
لا يكفي القضاء على هذه المجموعة أو تلك إذ أن هناك الآلاف من الذين غُسلت أدمغتهم وعلى مساحة الوطن العربي ينتظرون الاشارة ليقتلوا ويقتلوا. القضاء على بؤر الارهاب يبدأ من بناء الطفل والأسرة بناءً سليما بعيداً عن دروس الكراهية والتكفير التي تعج بها برامج التعليم والقنوات الفضائية المأجورة تلك الساعية لنشر الفتنة عن طريق بث الكراهية بين أبناء الأمة. تلك البرامج الموجهة بشكل خاص للأمهات والأطفال الذين هم مستقبل الوطن… وإذا ما أصبحت الأسرة موبوءة أصيب الوطن بداء الفناء.
كلما تأخرنا في مواجهة أنفسنا في تحمل ما جنته أيدينا من سوء تصرف كلما طال أمد الصراع وكلما ازدادا عدد الإرهابيين الذين هم لبنات طرية في بيوتنا… بيوتنا هي من تصنع مواطناً شريفا أو مواطناً ارهابياً.
فلتكن الشجاعة في نكأ الجراح ودراسة الأسباب التي تجعل من مواطن شاب إرهابي قادر على قتل أبناء وطنه بدم بارد قبل أن يستشري هذا الوباء الذي قد يكون أي منا ضحية من ضحاياه.
انتبهوا… بذور الإرهاب في بيوتكم، مدارسكم، تتشكل على مرأى منكم فانتبهوا من عدو يستغلها لصالحه.
محمد إقبال حرب