الفرق بين تاجر الخضار والنحلة

هل فكر أحدكم مقارنة تاجر الفاكهة مع النحلة؟

 تاجر الفاكهة كما تاجر الخضار يدور على المزارع، يختار أجود ما يناسب ميزانيته. ثم يعرضها بعد ذلك بطريقة جذابة، يتفنن في عرضها بالشكل واللون المناسبين لجذب المشتري. وعندما يحضر ذاك المشتري يصف له ما هو معروف وبائن بطرق ملتوية فيها  من الإغراء ما لا يتماشي مع صفة المنتَج. و أحياناً يجمِّل بضاعته بما ليس فيها من صفات حتى يبيع ويكسب قدر الإمكان. فهو بكل بساطة ينقل البضاعة من مكان إلى آخر بطريقة تجارية بحتة، علماً بأن المشتري يدرك ما يريد ويعرف البضاعة التي تناسبه.

أما النحله فتسافر بين آلاف الازهار والنباتات لتجني منها رحيقها دون كلل أو رغبة في    التجارة فتختار أجود الرحيق وأعطره، ثم تعود إلى قفيرها لتعمل بجد ونشاط وتنتج شهداً فريداً ممهوراً باسمها. تمزج رحيق ما جنت وتنتج فتبدع سحراً يتجلى بلونه وطعمه وعبقه، فيستسيغه القاطفون. لا أحد يستطيع إحصاء كم الورد الذي زارته ولا عدد الرحلات التي طافت بها النحلة. فالشهد لا تنتجه إلا نحلة بفخر العطاء رغماً عن كل اليعاسيب.

وفي عالم الكتابة نجد الكتَّاب قسمين، تاجر خضار ومنتج شهد. فتاجر الفاكهة والخضار،   يجوب بين الكتب وسبل القراءة والكتابة المختلفة ويحفظها في صندوق عقله، ثم يرتبها في صناديق يسميها كتاباً يعرضه على الزبائن. لكن القارئ الحصيف يدرك المصدر ويدرك بأن ما أقتناه ليس أصيلاً، أما القارئ العادي فلا يستسيغ مسخاً.

أما النوع الآخر فهو كالنحلة  التي  تقطف  من الكتب رحيقها،  تعتصره في وجدانها،  تطبخه على مواقد ذاتها، تصهره بالتفكير والتدبير فيخرج إبداعاً لا تستطيع    تحديد مصدره لأنه عصارة عمر من المطالعة والتفكير. عمر قضاه يعافر فيه الحب والكراهية، السعادة والشقاء، النعمة والبلاء. بل أراه مندمجاً مع أبناء البشر إخواناً في وجود جمعهما في زمن واحد على كوكب واحد مع مخلوقات أخرى تشاركهم كوكباً صغيراً يتماوج بين بحر ويابسة، وطبيعة تتراقص كيفما راق لها. هكذا يتكون مداد الكاتب النحلة قبل أن ينتج شهد حياته كتاباً. كتاب يقدمه دون زيف أو زينة، أو سعي للمتاجرة بأفكار الآخرين بعد تغليفها بألوان نفاقه.

نعم، هنالك فارق كبير بين الكاتب النحلة والكاتب تاجر الخضار.

 

محمد إقبال حرب

 

8 comments

اترك تعليقًا