لم تعد زوجته إلى المنزل مذ أن غادرته بالأمس مع حقائبها التي رافقتها دموع ساخطة متمردة حين أحست بالغش والخداع كما تقول، بعدما اكتشفت سر زوجها. هو لم يكذب عليها لكنه لم يفشِ سراً حمله منذ سنوات طويلة. بل منذ وصوله الى هذه المدينة قبل عشرين عاماً. هي لم تفهم ولن تستطيع اعتبار ما جرى على أنه سوء تقدير.
كيف له أن يفشي مثل هذا السر الذي نغَّص عليه طفولته وهدم ثقته بنفسه بل دمر فيه كينونة كبريائه. لقد اضطرت عائلته ان تأتي الى هذه المدينة تحت وطأة الضغوط الاجتماعية التي زرعت في ثناياه الكآبة… نعم لن تفهم ولن يشرح، لن يفجر بركاناً عمل جاهداً لاطفاء لهيبه.
بدأت الحكاية يوم أمس عندما تطايرت شرارة من سيجارة على عينه اليسرى. ويبدو أن قطعة من التبغ تطايرات معها ودخلت تحت الجفن مما استدعاه بطريقة لا شعورية أن ينزع عينه الزجاجية لازالة الجسم الغريب الذي يؤذي الجفن…. هناك وقفت زوجته مشدوهة إذ رأت زوجها السليم المعافى يخرج “عينه” ويضعها على الطاولة… محجر العين بدا ظلمة عميقة من حزن… تلمع في باطنها نتوءات مخيفة… تسمرت مشاعرها مع استغراب واستهجان لا يوصفان إلى أن استدركت الأمر عندما قال لها : فقدت عيني منذ كان عمري عشر سنوات نتيجة خطأ طبي. واستعلمت هذه العين الزجاجية للتجميل.
لم تكترث الزوجة كثيراً لشرحه، كانت صدمتها كبيرة أن تتشوه صورة زوجها دون أي مقدمات…. انتفضت منها امرأة غاضبة قائلة: لماذا لم تخبرني بأنك أعور… لماذا غششتني؟
أثارت كلمة أعور ذكرياته الأليمة… فجرت أحاسيسه، نبض قلبه بسرعة، أخذ يتذكر زملائه في المدرسة وهم ينادونه بكل بجاحة ولؤم : أعور… أعور
سكن قليلاً بينما تمر أمامه صورة الطفل الذي تنهشه نظرات الرأفة حينا والاشمئزاز اخرى. ها هو يستعيد أصواتا قاتلة بتعابير مؤذية لاحقته سنوات طفولته.. كان دائماً ما يشار إليه ” بالولد الأعور” . نعم لقد نسي الناس اسمه واصبحت عاهته لقباً قاتلاً. تمالك نفسه ازاء ذكرياته خوف أن تحطمه ثانية ويعود الى انعزاليته ووحدته وعاد من ماضيه إلى زوجته التي أخرجته ذات يوم من وحدته يوما دون أن تدري وقال:
انا لم أغشك… لم أنتبه بل لم اعتقد بأنه علي إخبارك… شخصيتي لن تتغير ان كان لي عين او اثنتان… بل كنت أخاف منك أن تحطميني كما فعل كل البشر…. وها أنت تفعلين
ردت الزوجة: بل من حقي أن أعرف منذ البداية بأنك معاق.
انتفض زوجها صارخاً بحدة متسائلاً: معاق!!! لا، لا لن اسمح لك بتحطيمي … أنا بشر … أنا أحبك … لكن لا تقتليني بلا سبب . أنا لم أغشك وها أنت تجرحينني
ماذا! لا تعتقد بأنك غششتني…. أنت كاذب ومخادع ومن حقي طلب الطلاق،
أنت لا تعرفين بل لا تفهمين كم عانيت طفلاً ومراهقا حتى وجدت من صنع لي هذه الزجاجة الملونة التي انقذتني من مسشفى الامراض العقلية. هذا الفن الزجاجي كتم أصواتاً مؤذية كما أرسل في أعماقي ألحانا علمتني معنى الحياة. هذا الفن الزجاجي قد وضع ستاراً من ً.الجمال على ما لا يحبه البشر… أنت لا تفهمين معنى الاستهزاء بمشوه لا يملك من أمره شيئا
قالت الزوجة: نعم لا أستطيع أن أفهم.. أشعر بأنني خُدعت، واذا ما خدعتني مرة فقد تخدعني أخرى.
لا، لا فأنت كاذبة … لم تعجبك حقيقتي، لم أعد وسيماً… ها انا قد أصبحت رمزاً للبشاعة والكراهية.. لا لن أضع العين الزجاجية مرة أخرى …. سأتخلى عن الفن الزجاجي سأرميها بعيداً، فليحبني من أرادني لشخصي أو فليرحل إلى الجحيم.
خرجت بعدها زوجته ولم تعد… وهو لم يسأل عنها بعدما شعر بقوة ارادة لم يحظَ بها قط.
مرت الأيام وأصحابه يتساقطون الواحد تلو الاخر…. يبست شجرة المودة في عالمه وجاء خريف حياته قبل خريف عمره فقرر أن يتوقف عن رؤية العالم الكاذب الذي يحب المظاهر. لم يدرك بل لم يعترف أبدا بأنه كاذب مخادع إذ يتساءل لماذا عليه أن يشرح للناس موضوع فقدان عينه وهم لا يتكلمون عن أمراضهم العقلية وعاهاتهم المتدارية في أجساد وهنة.
قرر أن يتخلص من عينه السليمة التي تجبره على رؤية من لا يستحقون النظر اليهم، بل إن عدد الذين يستحقون نظرته قد رحلوا إلى ديار الحق. لا يريد أن يرى بعد اليوم من كره صورته بعين واحدة وناداه “أعور”. أمسك زجاجة أسيد ورماها باتجاه عينه السليمة بكل سعادة وفرح، كانت حارقة مؤلمة لكنها ستنقذه من شرور بني آدم كما تمنى. انهار بعدها من فرط الالم ونقل الى المستشفى. اصابته صدمة جديدة عندما علم بأن عينه لم تصب باذى إذ أن ردة فعل جفنيه قد حمته. فكل ما أصابه احتراق بسيط للجفن العلوي …
لا يزال في المستشفى حيث اقتنع بالإبقاء على عينه السليمة لكنه يصر على مواجهة العالم بعين واحدة تاركاً الأخرى منكمشة مشوهة لا تزينها زجاجة ملونة أخفت ذات يوم قسوة البشر وكراهيتهم تحت ظلال ألوانها. يوم باتت ذكراه كئيبة
من كتاب يعيش النظام
محمد إقبال حرب
قصه جميله جدا جدا وهنا السؤال تقبلت الزوجه الرجل كان بعين واحده ام بالاثنين ام كان اعرج او خلافه مايدهشها عندما لم يحكى لها قصه معاناته هل تلك خيانه مثلا انا لا اعتقد فالرجل كان مثال للرجل الجميل المهذب الرائع ولهذا تقبلته كان باى وضع سأتقبله لم يقر لى معاناته الهدف واضح جدا انه لم يرد له الايلام كما فعل به ومااحسه من ظلم للمجتمع به لذا اقر ان تلك الزوجه هى الخاسره وان من خلقها خلق غيرها وافضل منها هذا بالمعنى البسيط اما الذى هالنى فعلا ان يحاول تدمير الاخرى كى لا يرى الناس وقد قلتها مرارا وتكرارا كن انت نفسك بلا زياده او نقصان اهلا ومرحبا بكل العالم ان احبنى على وضعى وتبا لكل العالم ان لم يتقبلنى فلكل انسان عاهته الخاصه ممكن ان لا تكون فى الجسد ولكن فى الفكر المشوش المشوه ممكن ان تكون فى اى شىء ………….الزواج رباط مقدس هل اترك زوجى لمجرد انه ذو عينزجاجيه او فقد عينيه بالطبع لا ولا يمكن يحدث انا لم اتزوج صوره لبراد بيت مثلا ولا لغيره وان تزوجت روح جميله وعيشه كامله واولاد وخلافه ان ان اتركه وكان بالاحرى ان اضمد جراحه واقول له انا هنا هنا لا اتقبل تماماوضعها واكم من كثير من الحكايات بهذا الوضع وبالطبع ستكون خسارتها فادحه ان كان الانسان يقيم بالعيون الملونه الزجاجيه فلن احتاجه انما احتاج روحه وقلبه وعطفه وحنانه والموده والرحمه والسكن فلتذهب الى الجحيم والى غير رجعه………..
إعجابLiked by 1 person
أختي الراقية د.سحر
نختلف في ذوقياتنا وسلوكياتنا لأسباب عديدة، ولكن يجب أن يكون هناك فسحة من التسامح والتقبل للطرف الآخر. وحيث أن الزوجين في نقيض داخلي من فلسفة الحياة لم يلتقيا خاصة وأن ردة الفعل كانت صادمة من الزوجة. كذلك الزوج الذي مرت به سنوات مع زوجته لم يحضرها نفسياً أو يخبرها.
لكن قراره بالتخلص من عينيه السليمة ما هو إلا ردة فعل لمجتمع كرهه أو وصمه بـ”الأعور” فقرر أن لا يرى نظرات “الشماتة” كما يراها.
يحدث هذا كل يوم في مجتمعاتنا ولكن قلة من لديها الجرأة لتتحدى المجتمع بنجاح.
تحياتي وتقديري
إعجابإعجاب
قصة جميلة
ربما معها حق في الاعتراض من حقها ان تعرف
لكن لست مع ردة فعلها
ما اوافق عليه ان من يستطيع اخقاء امر ما قد يخقي الكثير
هو ايضا لم يثق بقبولها لهذا أخفى الأمر عليها
احسنت السرد والتعبير
إعجابLiked by 1 person
شكراً جزيلاً د. درية على عمق قراءتك
صحيح أن من يخفي شيئا قد يخفي أشياء، لكنه لم يفعل ذلك بمحض ارادته بل ردة فعل من مجتمع قاس.
ألوم السيدة فقط لأنها لم تسمع أو تستوعب مأساة زوجها… القصة شبه حقيقية.
تحياتي وتقديري
إعجابإعجاب
دع من خيالاتك شخصا لا يحزن ، لا يتألم ، يطير مع حمامة السلام في افاق بلاد آمنه ،
لا تجعل من ذاتك المفعمة بالوجود الرائع والذي التمسته في نغم حروفك رمادا
فأنت الحقيقة التي ستفرض عالم آخر يضفي على روحك كل خيرات الكون
رفقآ بأرواحنا
آن الآوان ان نحتضن تلك الذوات ونرفع من استحقاقها
فيكفينا ان فيها نفخ من روح الله
تحياتي
ابتسام العبود
إعجابLiked by 1 person
الحقيقة التي نسعى لها سيدتي، تختبئ بين صرخة مشرد، وسوط ألم. بين امرأة مسلوبة الحقوق وهارب من ظلم وعقوق.
نفرض وجودنا بنشر الحب والسلام وروداً على خدود البؤساء، نغمة في قبور الأحياء
لتلك النفحة الالهية نسعى علنا نحظى ببعض العدالة
ألف شكر وتقدير أستاذة ابتسام
تحياتي
إعجابLiked by 1 person
قصة معبِّرة جداً عن واقع للأسف يتعرض له الإنسان منذ فجر التاريخ, ولعله قد أصبح أكثر سطوعاً في زمن البهرجة والخداع.
طوبى لإنسان أحب شكله كما هو. وطوبى لإنسانٍ أحب الآخر من أجل روحه وشخصه لا شكله الخارجي الخادع أحياناً.
إعجابLiked by 1 person
إنها قصة حقيقية سيدتي
للأسف اضحت البهرجة والمادة هي سبيل التمييز والاختيار في هذا العالم الذي يتوحش بشراسة مع كل تقدم تكنولوجي- مادي
تحياتي
إعجابLiked by 1 person