مجرى الكرامة

قررت أن أتوارى عن قراءة الأخبار، والهرب من التلفاز وصور القتل والدمار.

قررت أن أغمض عيني وأسُد أذني متوارياً خلف طيات الألم.

قررت أن أتوارى عن ظلال البشر لأكتب بمداد الضمير “إلى أين المصير؟”

بل أردت أن أُطلق عنان القلم لأكتب عن هذا الألم الذي يعتصر كياني وَيَدُكُّ أصل وجداني.

ألم النازح من دياره يُودع ثكلى وشريدة…

ألم الهارب من وطنه كأرنب طريدة… يُلاحقها قناص بتغريدة قاتلة.

ألم هذا المُشرد وذاك الفقير… يُباع ويُشترى بنقير.

ألم الجار يقتل جاره قَتل حاقد…ويُقطِّع أشلائه بدم بارد.

ألم التكفير والتفجير والتهجير.

ألم أمة يقطعها أصحاب السكاكين الطويلة على مائدة التقسيم. بينما تُصفق لمن أشترى أهلها عبيداً ووضع في أطرافهم سلاسل من ذل وعار.

يا صَرخة الوطن المسلوب…

يا صَرخة ابن البلد في خضم التيه والحرمان…

يا صَرخة لا يسمعها أحد.

آلآمكم آلامي…لا تنتهي عند هذا الحد، لا تحفل بأخذ ورد. فالواقع مرير ورُبَّان السفينة أطرش ضرير. فقد الشرعية وما زال يحكم الرعية. يجد من يُصفق له ويغني ألحانا علَّه يظفر بقطعة حلوى مجاناً.

من قال انها بلا تسعيرة؟

من قال إنها مجاناً؟

من قال بأننا لم ندفع الدماء والأشلاء فوق جثث العزة والكرامة والكبرياء؟

فموائد العربدة تباع فيها الأوطان بما تحمل من أرض وحيوان لنخاسين لا يسمعون النواح ولا يستشعرون نزيف الجراح.

هي ليست آلآم فرد… إنما آلآم شعب لا يُعد. من محيط إلى خليج يَعِجُّ بوفود الحجيج… وفود جاءت من كل حدب وصوب تنصب خياماً في العراء لتبيع الساسة خيانة وبغاء… ساسة سقط عنهم قناع الخجل وتزينوا بالكذب والرياء والدجل. فاشتروا واشتروا ما يندى له جبين الأحياء.

أحياء بلا روح ولا ذِمة… أحياء كجيفة ورِمَّة.

دعوني أتوارى خلف آلام المخاض… مخاض وهم كذاب، يشدني نحو الفناء بلا موت، بلا عزاء. فكل يوم أموت بِحَصْوة استعمار عائد إلينا برفقة القريب والجار… حَصْوة تسد مجرى الكرامة أخاف أن لا تسقط قبل يوم القيامة.

نُشرت في 4 أيلول 2012

محمد إقبال حرب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s