هم المواطن العربي -أمل الراغب

قراءة في مجموعة “يعيش النظام” القصصية للأستاذة أمل الراغب.

20-2-2017 | 11:41

لطالما رأينا الكاتب يبدأ مسيرته الأدبية بنشر مجموعة قصصية يتبعها غالبا بسلسلة من الروايات، وهذا ما لاحظناه على مر عقود مع كبار كتاب الأدب، إلا أنّه مؤخرا صار الأمر معاكسا جدا وبدأ بالانتشار بشكل كبير، حيث يبدأ الكاتب رحلته الادبية بالرواية وبعد عدة إصدارات له يقرر أن يخوض تجربة القصة القصيرة، ومنهم الكاتب محمد إقبال حرب، الذي استهل إصداراته برواية ثم أتبعها بمجموعة قصصية، وها هو اليوم يصدر مجموعة قصصية أخرى بعنوان “يعيش النظام” بعد روايته الأخيرة “هنا ترقد الغاوية”.

“يعيش النظام”، الصادرة عن مؤسسة “يسطرون” للطباعة والنشر هي مجموعة مؤلفة من 33 أقصوصة، تحمل في ثناياها هم الوطن العربي والمواطن تحديدا، تدخل في دهاليز الظلم والاستبداد والاستعباد، تقرع على أبواب الجهل والتخلف، تنتقد سياسات وأنظمة بعض البلدان، وتحط رحالها في أهم نقطة حساسة هذه الأيام، وهي فهم الدين بشكل خاطئ واستغلاله في الإرهاب.

صحيح أن القصص كثيرة في هذا الكتاب، إلا أنها مترابطة بشكل أو بآخر، وتكاد تكون رواية لو أنها جمعت مع بعضها بشكل جيد، لانها متشابهة في الافكار وتصب في الهدف عينه، لكن الكاتب اراد أن يعطي مساحة واسعة مخصصة لكل فكرة على حدة، فالسرد الروائي يعتمد على التفاصيل والاحداث أما القصة القصيرة فهي تعنى بالتكثيف، إذ تحصر الصورة بشكل محدد أمام القارئ فلا تجعله يشت عنها في تفاصيل لا حاجة لها لايصال الرسالة المرجوّة. وهذا ما اتبعه الكاتب هنا حيث يأخذنا معه في صورة مشهدية يعرضها لنا بسلاسة وكأننا نعيش معه الحالة، وربما يخيل للقارئ أن الكاتب عايَش تلك الحالات فعلا فنقلها إلينا بعين المشاهد بدقة التفاصيل عبر اسلوبه المجازي أحيانا والذي أبدع فيه بشكل كبير أو الصريح أحيانا أخرى، وهنا تظهر براعته في سرد الاحداث التي يراها على شاشات التلفزة أو يقرأها على صفحات الصحف والجرائد أو ما يسمعه من شهود عيان، ليصور لنا معاناة شعب بأكمله، ذلّه الزمن وكسر كبرياءَه الجهل.

مجموعة عميقة الأفكار، غنية جدا بالمشاعر الوجدانية ولكنها أيضا ثقيلة على القارئ، فلا توجد قصة واحدة فيها ترسم ابتسامة في النهاية ولا حتى في البداية، بل على العكس غالبا ما تؤجج الاحاسيس الحزينة التي تدعو الدموع الى الوقوف استعدادًا في محاجر الاعين لتنهمر على حال شعوب فقدت ادنى شعور بالانسانية، وهي حالي عندما قرأت بعض القصص ومنها قصة “عو..عو” التي أثرت بي كثيرا وهي تحكي قصة شاعر في بلد ديكتاتوري لا يسمح لحرية الحرف بالتحليق، وفي النهاية يتحول الرجل إلى كلب ويتصرف مثله بسبب التعذيب الذي تلقاه في المعتقل، وبأسلوب الكاتب المميز يوّصل للقارئ أن العنف يولد العنف والارهاب، معبرا عنه بتفجير اولاد هذا الرجل انفسهم في مراكز أمنية لاحقا، انتقاما لوالدهم.

أتى العنوان بشكل ساخر يحيّ النظام ويعبّرعمّا في جعبته، وغالبا ما يبرع محمد اقبال حرب في انتقاء عناوين كتبه التي تحمل في معظمها مشاكل اجتماعية أو فكرية، الكتاب في معظمه وليس بمجمله، يعايش هذا النمط من الافكار ويحاول معالجتها بمحاكاة العقل. ورغم شعوري بقسوة هذه المجموعة إلا أنني اتساءل هل كان من الممكن أن تحوي بين طياتها مواضيع أخرى؟ بين كل هذا الكم من الحزن الذي تنسجه عبر حروفها هل كان للابتسامة من مكان؟ لقد نقل الكاتب هموم شعبه وصوّر الواقع كما هي من دون تبرّج أو عمليات تجميل، لقد تجرد من خوفه وتقاليد مجتمعه ورفع صوته عبر أفكاره وشخصيات قصصه، ليشعل بحرفه ثورة مختلفة في عقولنا ونفوسنا، ففرض نفسه كقاص في ساحة الادب كما فعل سابقا كروائي.——- أمل الراغب(كاتبة من لبنان)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s